أزمة ضمير أم أزمة نقل

الوحدة 15-10-2021

إذا مررت بمركز مدينة طرطوس, عند دوار الساعة مثلاً, وفي أي وقت ستجد أكثر من مائة مواطن ينتظرون واسطة نقل!

لست أبالغ.. ومن لا يصدق يمكنه زيارة المكان ليرى بعينيه…

هناك, وحين يصل السيرفيس المنتظر يهجم المنتظرون, ويحمل ضعف ما يستطيع.. بينما يخاف السائق على نفسه من الكورونا فيغلق المقعد الملاصق له, ويترك مقعداً لسعيد الحظ الذي يجلس وحيداً بثقة, وكبرياء في المقعد الأمامي.

عن باصات النقل الداخلي.. حدَث, ولا حرج.. لا مواقف خاصة بالصعود, والنزول, وكل الأماكن ممكنة حتى لو قطع الباص الطريق على السيارات العابرة, والمارة.. لا يهم, الكل ينتظر, ومثله مثل فعل أصحاب السرافيس الصغيرة!

في زمن مضى كانت المواقف محددة, وقد ألغيت اليوم عملياً لكنها ما تزال موجودة كإعلانات الطرق المعدنية المثبتة فوق رصيف, وقد انتهت صلاحيتها بقرار السائق, والمواطن الذي لا يرضى أن يمشي بضع خطوات!

لذلك.. ترى كل خمس دقائق, وربما أقل من يصرخ من الركاب يريد النزول, ليقف الباص في منتصف الطريق, وينزل سعيد الحظ, ويصعد سعيد آخر!

كل الأخطاء نعلقها على الأزمة, والحرب حتى أبسط القواعد التي تربينا عليها, وصارت في عهود النسيان..

تقول سيدة أنها بقيت ساعة في باص النقل حتى وصلت إلى مركز المدينة, وقد صعدت إليه من مساكن العمال!

ولأن شارع ( العريض) كما يسمونه ضيق.. لم يخصص بباص نقل حتى هذه الساعة, وكان قبل سنوات عريضاً..  إذ كانت تمر به باصات النقل حسب أهل الحي..

ولأن السرافيس تعمل عمل الباص في الوقوف المتتالي وسط الشارع العريض– الضيق- حيث السيارات مصطفة على الجانبين, وحين يصرخ أحدهم – ع مهلك – وبكبسة زر يقف السائق المطيع حين يصله الصوت!

هذا في المدينة، أما عن الريف.. فالوضع اليوم أصعب, بل معيب..

إذ تحول أصحاب السرافيس إلى باعة لمادة المازوت التي يشترونها بسعر الدولة ويبيعونه بسعر مضاعف ليمارسوا حياتهم بهدوء دون ضغط العمل, ومنغصاته ولشرب المتة بمزاج.

مثلاً.. عند موقف الشيخ سعد, والدوير.. منطقة الكراج القديم.. هناك ترى العجب خاصة بعد الظهر, وعند المساء.. المواطنون بالعشرات, وإذا عددتهم قد يصل العدد إلى المئة الذين ينتظرون سيرفيساً..

وحين يصل السيرفيس يحتشد الناس أمامه, يتدافعون, والشاطر من يسبق, يصعدون بالعشرات, وهو المخصص ل 14 راكباً.. وكالسحر يستوعب العشرين, وبكل رحابة صدر, وبمحبة يقبلون التزاحم حتى لا يدفع الراكب أجرة تاكسي قد تصل إلى ستة آلاف من الليرات السورية.

لا مشكلة.. الأحضان متسامحة, والقلوب واسعة, وبيت الضيق يتسع لألف صديق, ولا شيء يميت من له عمر.. لا كورونا , ولا من يحزنون..

هناك أيضاً.. وفجأة يصل سيرفيساً فارغاً يقف أمام الجموع, وهو لخط آخر لكنه يقدم الخير شرط مضاعفة الأجرة, ويركض الناس فرحين فالمبلغ ( مبلوع) عند رجل مقطوع.. خمسمائة ليرة مقدور عليها عند صاحب حاجة.

ويسأل مراقب: هل يمكن لمسؤول أن يرى, أو يقف بين الناس, ويعيش التجربة؟

لا نريده أن يركب هذه المراكب العجيبة حتى لا يغصَ.. أو يمرض من أصوات (الموتيرات) المتهالكة, والكراسي الهزازة, وزقزقة من هنا, وهناك .. وشريط إضاءة يسقط فوق رأسك, وقد تم لصقه بشكل عشوائي بدائي..

والأهم تحمل الوقوف كل عدة دقائق.. لينزل راكب, ويصعد آخر كل فالطريق طويل.

نريده أن يرى.. وأن يمنع كسل, واستهتار, وقلة ضمير سائق ينام بعد أن باع مخصصاته من الوقود.. والناس تنتظر..

نريد تخصيص باصات نقل جماعية للريف.. هو مطلب جماعي لأهالي الريف الذين يعملون في المدينة.. مطلب نأمل أن يلقى تجاوباً حيث لا نقدر على ضبط سائقين يعملون على سياراتهم الخاصة بوقود العامة.

سعاد سليمان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار