الوحدة : 11-7-2021
في روايته الشّهيرة (الجريمة والعقاب) عرّف الرّائع دوستويفسكي الحنين، وعلى لسان أحد أبطاله بأنّه حين لا يستطيع الجسد أن يذهب إلى حيث تذهب الرّوح.
استوقفتني هذه الكلمات مليّاً، وبكثير من الوجع.
هي ذي الرّوح تئنّ تحت وطأة الوجع كما الجسد، تئنّ تحت وطأة الشّوق الوارف لزمان جميل بائد.. لأشخاص عبروا مثل عطر أسطوريّ غابر.
يستبدّ بي ذا الحنين شديداً، موغلاً في نسغ الرّوح بلا هوادة.
ربّما هي حالة مرضيّة تصاب بها الرّوح إثر نقص حادّ في منسوب العاطفة، أو ربّما تعرّضها لهجمة شرسة من شرور النّفوس الأمّارة بالسّوء من حولها.
وقد يكون الحنين أيّها العزيز دوستويفسكي هروباً نحو الأمام من هول هذا العالم الطّافح شرّاً، الضّنين بالمحبّة والحنان.
ما يزال هذا العالم بائساً، بالي المشاعر والأحاسيس، ما يزال يجتر خيباته المتلاحقة بعد أن استبدل بروحه العاشقة أفكاراً متشدّقة بالرّبح الافتراضيّ والسّوق الافتراضيّ، كما الحبّ والصّداقة الرّقميين.
تحوّل دفق المشاعر من نظرة ولهفة، أو كلمة يستتر خلفها طيف مشاعر جارف إلى بضع نقرات باردة على شاشة هاتف ذكيّ، غبيّ الأحاسيس.
لله درّك أيّها الحنين!.. كيف السّبيل إلى الشّفاء منك؟!
هل هناك وصفة طبيّة ناجعة تمنحنا بضع أقراص نبتلعها فتتعافى الرّوح منك؟!
أو ربّما هناك خلف حجاب من بخور ناسك تتطاير تعويذة، فتطرد أشباح الشّوق.. أرواح الحنين، فتهدأ الرّوح و تشفى من حنينها المزمن.
كان الله في عون الأرواح المتعبة التي تنوء بشوقها للغائبين وللراحلين.
ونسأل في دعائنا الأقدار أن تُقيّض لنا فقداً في ذاكرة الغياب.
في ذاكرة الشّوق لعوالم غادرناها أو ربّما غادرتنا ولا سبيل أبداً إلى رحيل الجسد حيث ترحل الرّوح ولهاً..
دعاؤنا ألّا يُردّ قضاء الحنين، إنّما نسأل ونتوسّل اللطف فيه.
نور محمد حاتم