عاداتنا جزء من تفاصيل حياتنا

الوحدة: 9-7-2021


عادات ذهبية خلوقة كنا قد اكتسبناها منذ فجر النطق والكلام والإقلاع بهدوء نحو الحياة البشرية الطبيعية، نعم هي عادات كان يرافقها كل شيء جيد وجميل وذي بركة وخير كما يُقال، لقد علّمنا آباؤنا وأجدادنا أُصول المجلس وأُصول الكلام والاحترام وقبل كل شيء أصول الجلوس على مائدة الطعام باحترام وتقديس تلك النعمة الربانية، كلُ منّا مرّت عليه تفاصيل لتلك العادات والعلوم أثرت عليه بشكلٍ أو بآخر، فأنا مثلاً ما حييت لم أنس طيش الولدنة وذلك الرفش الذي سقط على رقبتي من الخلف مزلزلاً أوصالي عندما جلست بسرعة على مائدة طعام عمّي (مستضيفنا) مقطّباً حاجبيه العريضين باتجاهي مُؤنباً: (قدك قد ال  .. ما بتعرف تقول بسم الله الرحمن الرحيم قبل ما تمدّ إيدك عالأكل) فتناولت قطعة من خبز التنور القاسي وحاولت تمزيق لقمة منه دون جدوى، علماً أن تلك البسملة كانت دائماً سابقة أي عمل نقوم به حتى ولو كان صغيراً، كما أن المائدة قديماً هي حصيرة البيت أو طبق القش، حيث كانت غالبية العائلات تستعمله وقد كان ظالماً إلى حدٍ ما بسبب كِبره بالنسبة لصغر حجمنا آنذاك، والعِبرة هي بطريقة الجلوس (بالتربّع) حوله حصراً حتى ولو كان العدد فوق طاقة ذلك المعبد المجتمعين حوله فمقدوره استيعاب الجميع مهما كان العدد، كما كانت تتجلّى قيمة النعمة عبر قطعة من الخبز مرمية على الأرض فنتسابق لالتقاطها ثم تقبيلها ووضعها جانباً أو على حائط طعاماً لطير وإبعادها عن مداس المارة وهذه العادة لازالت قائمة لكن بخجل ،وبذلك بدأنا اليوم نتلمّس قيمة هذه النعمة التي نصارع من أجل تأمينها يومياً.

وبالطبع كان للتطور في أساليب الحياة ورفاهيتها دور سلبي آخر انعكس على آداب الطعام واحترامه، وقد اكتسبنا وأولادنا جزءاً منه عبر شاشات التلفزة المجرمة والمسلسلات التي ننتظرها بفارغ الصبر، عندما يجلس الممثل أو الممثلة على الطعام وقد لا يتم الجلوس متناولاً بعض ما تيسر على المائدة كذلك بدون بسملة أو حتى غسيل اليدين التي بتنا ننساها هي الأخرى وتلك أيضاً اكتسبناها عبر الإهمال أو اللاوعي ليكتمل المشهد الممنهج بانتشار ظاهرة المطاعم بكافة أشكلها ،أما العادة الأكثر سوءاً والتي تنمّي ظاهرة التعلّم والتقليد فنلاحظها من خلال معارفنا وأصدقائنا، حيث أن بعض الأولاد الصغار يجالسون الكبار ويستمعون إلى تفاصيل أحاديثهم الشيّقة ويتدخلون أحياناً، كما تتنقّل أجزاء أو أطراف من هذا الحديث وقد يتم تحريفه ليولّد أزمة بين الغير ،وهذه كفرتين بآن معاً (على زماننا) إذ كان غير مسموح لنا بمجالسة الكبار أو الاستماع إلى أحاديثهم بدون إذن رسمي لجلب الماء أو لخدمة معيّنة .

وبذلك نلاحظ أن الخير أصبح في شحّ والنعمة بدأت تغادر أصحابها المهملين ،فكثُر الكذب والنفاق وضاقت الأحوال وبدأت الفوضى تضرب أطنابها، وانتشرت ظواهر قلّة الأدب على جميع المستويات وبدأت حالات كثيرة وحتى ضمن العائلة الواحدة بالتفكّك والانحلال، وبالنتيجة انتشر التباعد الأُسري وعمّت السرقة والجريمة وبدأت المجتمعات تتباعد وانتهى السلام عليكم بين الأهل والجيران ،فبتنا أشبه بالمجتمعات الغربية، غريبين ضالّين عن أخلاق مجتمعنا وعاداتنا الحقيقية لا نستطيع العودة سوى بمعجزة تتغلّب على الانحلال والتشرذم الذي سكن العقول والنفوس على امتداد حاضرنا.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار