العـــــدد: 9310
الثلاثــــاء 12 آذار 2019
خَبَباً مشيتُ دربي، أردت لقدميّ أن تصعدا بي ماهما قادرتان عليه، أتعبني الصعود، أتعبني صرتُ قاب خطوةٍ أو خطوتين من قمةٍ أريدها.
جاهدتُ نفسي وقلت: إن هما إلا خطوتان . . فامضِ يا أيّها المتعبُ وانظر إلى المدى من علٍ . . مشيت الخطوتين، وألقيتُ بجسدي إلى صخرةٍ تائهةٍ رأيت الغيم يتكئ على أكتافها.
أرسلتُ عينيّ في المدى من تحتي فأحسستُ بقلبي وقد أضحى نافورةً من بكاء،
أعدْتُ ترتيب خطواتي فدنا مني كوكبً يحوم، وشوشني: كأنك تريد أن أحضر إليك مزامير الطفولة، وأن أغنيّ لك: سكابا يا دموع العين سكابا)؟
***
هاجتْ في الأشواق، وحاصرتني زنازينُ القصيدة فقلت إيه، يا ريحانة العمر الذي ما عاد عمراً، لا تبالي بالذي أحمله همساً وقهراً، متّ بؤساً، متَّ جوعاً، متَّ حزناً متُّ
فدعيني لعذاب، صار لحناً مستمّراً . .
برم الكوكب مني وقال: أفٍ لكم أيها الشعراء تحيلون الحلو مرّاً، وتستطيبون عذاباتكم، صحيحٌ أنه (لا شعر بدون ألم) كما قال الشاعر لامارتين، ولكن دعوا فسحة من الفرح في قصائدكم.
***
بقيتُ خلف توجّسي، أحاذر من دعابةٍ تأتيني في اصطباحي، مخافة وحشيةٍ تمسيّني، وتذكّرت في لحظةٍ تشبه ضياعي مقولةً تقول: إذا كانت الروح تكره الجسد فلماذا لا تقيم إلا فيه؟
وقلتُ: يا أيّها المتعب . . امنحِ الحصرم وقتاً لكي يصير عنباً، وقررتُ أنه كما الكون يرسم حدوده بأهدابه، كذلك عليّ أن أرسم دربي بهدبيّ.
فنزلت من على الصخرة ورأيتُ كم هو المدى المنسفح أمامي هادئ وحنون؟ وأنّ الخوابي التي كنت أركنتها للنسيان وجدتُها تنضح بالشذا، وتغرّد فيها الأحداق.
قلبتُ دفتر العمر، وجدْتُ عينيكِ تراقصان الحلم، وتسترخيان على ضفاف الروح حيث ينبسط الروض، والبسمات تطفئ وجع القلب، ورأيتك مثل قمرٍ يتهادى في ضوئه، وينادي عشّاقه: أن اسهروا، (فما أطال النوم عمراً ولا قصرّ في الأعمار طول السهر.
***
طفا رحيقُ الزيزفون على شرفتي، وجاءني طيفك يفيض كما البيادر في يوم حصادها وماج بالوجد مداي، وأخذت روحي تتأرجح على تخوم الحلم.
فأوقدتُ شوقي، ورحت أغازل قمراً يشقّق ضوئه، وأنا أعرف جيداً أن الريح تولد مع بدء الضوء، فأغمضتُ عينيّ وصرت إلى هدأتي أبغي بعضاً من موسيقا، لأن الموسيقا تحرّر الكلمات من ثقلها المادي وتحولّها إلى أجنحة.
سيف الدين راعي