وقال البحر … في شهر رمضان المبارك

الوحدة 6-4-2021

 

شهر رمضان الكريم يقترب إلى الناس قبل أن يتقربوا إليه، ويأتي ومعه أثوب الهدايا الروحية دون أن يسألهم شيئاً، وهو فعلاً الشهر الوحيد الذي جاء اسمه صريحاً في القرآن العظيم كما جاء اسم سيدنا يوسف بين إخوته، وحين تثبت رؤية هلال شهر رمضان بالعلم الحاصل من خلال الرؤية أو التواتر أو غيرهما أو بمُضي ثلاثين يوماً من شهر شعبان فعندها تتبدل في كل العالم أنظمة الحياة اليومية في فرحة تُضيء بها ملامح الوجوه وجوهر النفوس، وتُشرق آفاق من الحب والسخاء والكرم والعطاء وصلة الأرحام وتواصل أواصر الأقرباء، ويُعتبر الصوم في شهر رمضان فرضاً، وتعريفه في معاني اللغة هو الإمساك، وهو الصمت في عدة حالات أخرى أيضاً، لأنه إمساك عن الكلام وأما شرعاً فإن الصوم هو الإمساك عن مجموعة أشياء مخصوصة في أوقات مخصوصة، ويُعد الصوم عبادة متصلة تقوم على الرقابة الذاتية واحترام النفس والوعد أمام الله تعالى، وفي هذا فهو ينفرد عن العبادات جميعاً، وللصائم فرحتان: فرحة عند حلول فطوره، وفرحة الثواب عند لقاء ربه، فكل إنسان مهما طالت حياته فسيودعها يوماً و له ثلاثة أصدقاء: المال والأهل والعمل الصالح، فأما الصديق الأول فيبقى في داره ولا يخرج لوداعه وأما الأهل فينصرفون بعد التشييع كلهم، وأما الصديق الثالث وهو العمل الصالح فيبقى الرفيق الوحيد الذي لا يتخلى عن صاحبه أبداً إلى هناك حيث البقاء والخلود في الدار الآخرة.

لا تُعتبر فرحة الفطور ذاتية فقط وإنما تمتد إلى المشاركة في إعداد وتوزيع الطعام لأهل البيت والضيوف والعابرين أيضاً، وفي شهر رمضان مجالات واسعة لأعمال الخير والمسارعة بصدق في جبر الخواطر وكسب الحسنات، وتبلغ هذه الأمور مداها مع نهاية الشهر المبارك في إخراج وتوزيع زكاة الفطر قبل وقت صلاة العيد، ويُعد الصيام عن الشهوات فارقاً بين الناجحين من الناس وبين بعض الفاشلين كذلك، فالنجاح في كل شيء هو قدرة على تحمل النفس للصعاب وكذلك في تصبيرها على الشدائد والقدرة على منعها لما تستحلي وتُحب، وفطامها عما تبغي، ومما ورد بأن الصوم جنة وزكاة للأبدان وبه يدخل العبد رحاب الجنة ويُعد عمل الصائم متقبلاً وعدد أنفاسه وصمته تسبيح ودعاؤه مستجاب من الله، ومن الجدير ذكره بأن من أهم شرائط صحة الصوم تتجلى في: الإيمان، العقل، نية الصوم، الخلو من بعض الظروف والحالات المُفطرة وغيرها.. وقد عرف منذ القديم العلماء والحكماء زبدة هذه الحقائق واستيقنوا بأن إحساس وشعور الراحة الحقيقي لا يُنال إلا على جسر من التعب وأن كل من طلب عظيماً خاطر بعظيمته وأن ركوب أصعب المشقات هو الوسيلة الوحيدة لإدراك عتبة المجد.

لقد تم تشريع الصيام للناس كي يتدربوا على قيادة شهواتهم لا الانقياد لها ومن هنا كان الصيام من مطلع الفجر إلى وقت المغرب أي أول الليل هو التمرن بحق على الحرمان الموقوت كما أنه امتناع عن أمور والامتناع هو جوهر شيء لا يراه الناس عادة لأنه سر دفين كالإخلاص لا يعرفه أحد قط إلا علام الغيوب.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار