الوحدة 26-1-2021
يلمَ بائع الجرابات والملابس الداخلية بضاعته القليلة بسرعة الريح, ينافسها, يسابقها قبل أن تحمل كل خفيف, تبعثره على الرصيف المبلل بمياه الأمطار الغزيرة, مثل طفل مشاغب, وترحل!
يلمَها قبل أن تبتلَ بمياه الأمطار المشاكسة أيضاً..
وينتظر ساعة, وربما أكثر ليعيد نشر بضاعته على طرف الجدار المنسي, بجانب شجرة تظلَه, وتحميه من حر الصيف, وقسوة أشعة الشمس..
لكنها اليوم لا تغنيه, ولا تحميه من البرد, أو المطر, أو الرياح العاتية..
قلت له بتعجب: كيفك أنت, وهذا الجو المشاغب؟
أجاب بهدوء ملفت: ألمَ بضاعتي حين تمطر, وأعيد نشرها حين تتوقف.. اليوم حصل الأمر عدة مرات!
وأضاف: هو طقس طرطوس أعرفه جيداً, وأحفظ حركاته..
الصيف رطب وحار.. وشجرتي تحميني.. قال, وهو يشير بيديه, ومحبة تخرج من لطف عينيه, وفي الشتاء تحملني قدماي فأركض قبل العاصفة, وأعود بعد انجلاء الريح والمطر..
الريح والمطر هنا توءمان لا يفترقان, وأنا وبضاعتي – معيشتي وأسرتي– توائم بالروح ..
بعد حديث مقتضب مع البائع على رصيف يزدحم بالمارة تارة, ويفرغ لساعات طوال.. عرفت أنه أب لستة أولاد، منهم أربعة شباب, ثلاثة يخدمون الوطن في الجيش العربي السوري, أحدهم في البوكمال, واثنان في إدلب, وهو المعيل للجميع من هذه التجارة, وهو يعيد, ويكرر: الحمد لله… بقناعة تظهرها عيناه.. وتلمع الدموع فيهما حين يحكي كيف أصيب ولده في الحرب, وأحضروه إليه هنا.. عند البسطة جريحاً متألماً وصامداً، وكيف عاد حين شفي إلى قطعته..
يأمل بائع البسطة الحزين أن تنتهي هذه الحرب، ومنتهى الأمل في عودة أولاده سالمين، ويقول: لقمة العيش مقدور عليها..
قلت: هل يكفيك ما تبيعه من بضاعتك هذه؟
أجاب: الحمد لله…
سعاد سليمان