جرة الغاز.. العروس المدللة بين سادكوب وتكامل

الوحدة 7-1-2021 

هي العروس المدللة بنت العائلة الصارمة، عائلة تحرص على تعذيب خاطب ابنتهم بشتى الطرق، في البداية كان الأخ (المعتمد) الذي لا يحرم رؤيتها كثيراً، 21 يوماً فقط ، ولكن على الخاطب أن يجده ويرضيه بهدية جيدة كي يسمح له بذلك، علم  الأب (تكامل) بهذا التهور من الابن وغضب غضباً شديداً، فسخ الخطبة ومنع ابنته من مقابلته لمدة طويلة، في الحقيقة، كانت خطة الأب تقضي برفع مهر ابنته، وافق الخاطب على مضض ورضخ تحت وطأة هيامه بها، ولكن الفرحة لم تدم طويلاً، أشهر قليلة وفرضت الأم (محروقات) قوانينها الصارمة مجدداً، لن تخرج ابنتها الجميلة لرؤية خطيبها إلا على هواها وبمهر أضخم، بعد أن تضنيه قهراً وهو ينتظر شرف مقابلة العروس المستكبرة، الممتلئة المدورة، عند وصول تلك الرسالة المعبرة… استلم جرة الغاز.

القصة الحقيقة..  دون تصرف

صحا الناس ليجدوا الحصول على جرة الغاز ضرباً من ضروب المستحيل، نشطت السوق السوداء على حين غرة مع تضاعف السعر، لكن آذن أصحاب القرار لم تسمع، بعد شهر خرجوا علينا بعد صممهم المقصود بحجة الحصار، شرحوا وبرروا باستفاضة مملة والنتيجة كانت استلام الغاز عن طريق بطاقة (تكامل) بعد رفع السعر مع تحديد المدة ب 21 يوماً، مضى بعض الوقت فأعيدت الكرة مجدداً مع فارق إطلاق الحجة مباشرة، والتي تقول بعدم توفر العملة الصعبة لشراء المادة من الدول الصديقة، وعليه.. قرر رفع السعر ثانية، أشهر أخرى وبنفس (السيناريو) أدى المسؤولون دورهم ببراعة أشد اكتسبوها بعد كل تلك التجارب وبذات النتيجة المعتادة، رفع السعر مع إضافة بعض الصعوبات التي تقضي بزيادة المدة دون تحديدها صراحة بعبارة غامضة – حسب المتاح- وطبعاً لم ينس معاليهم إضافة بعض المنكهات لضرورات إقناعنا بعظمة ما أنجزوا كتغيير تبعية تلك البطاقة الذكية من تكامل إلى محروقات (ومطرح ما… شنقوه).

الطرف الأول… الناس

جميع من استطلعنا رأيهم (عينة من الشعب يعني) على اختلاف جنسهم أو تنوع ثقافتهم كانت لهم ذات الآراء والتعليقات بنفس الشكاوى، ونجزم أنكم (القراء الأكارم) ستوافقونهم بما ذكروا تماماً وستضيفون بعض الملاحظات التي قد تكون غابت عنهم وعنا، بالعموم هي شكاوى الناس عامة.

أهم ما في الأمر والجواب الذي كان موحداً بنسبة 100% لدى جميع من سألناهم هو طول المدة التي تصل في أغلب الأحيان حد الشهرين (إلا كم يوم) مع استثناءات بسيطة في أوقات قليلة حيث تم تقليص المدة لتنخفض إلى أربعين يوماً.

القضية الثانية اتفق عليها ما يقارب 30 % ممن سألناهم وهي تتعلق بمن لا يحق لهم امتلاك البطاقة كالطلبة الجامعيين المقيمين في المدن بعيداً عن أهاليهم أو الشباب الذين يسكنون بمفردهم لظروف عملهم، وهذه العينة أبدت امتعاضها الفائق (مصطلح مهذب بدلاً من كلمة.. قرفها) من تلك المعاملة الطويلة العريضة التي تفرض عليهم تجميع وريقاتها من كل حدب وصوب بدءاً من إخراج القيد وانتهاء بسند إقامة من المختار مروراً بطلب خطي إلى البلدية وما يلزمها من طوابع وأختام مع الكثير من الترجي وتبويس اللحى (وعملك لفتين حول العالم) وفي النهاية، انتظر دورك لأن الكمية محدودة، بعض المتزوجين حديثاً ومنهم (حيان) فوجئوا برفض بيعهم لجرة غاز على دفتر العائلة التي أصدروها حديثاً كما ينص القانون وحملونا الأمانة بإلحاح شديد لطرح هذا التساؤل.

ولكن الأهم.. هو الوزن

الشكوى الأهم كانت في طول مدة استلام الجرة، ولكن المعاناة الأكبر كانت في مشكلة جوهرية أخرى، بعض الذين التقيناهم قالوا أنهم لاحظوا نقصاً في الوزن، الوزن الرسمي الذي من المفترض أن تمتلئ به جرة الغاز، الجميع أدرك ذلك من خلال الوقت القصير الذي تبقى فيه الجرة قيد الاستخدام، السيدة (أماني – ج ) من ربات البيوت قالت لنا: كانت جرة الغاز تكفيني لمدة تتجاوز الشهر لقلة أفراد عائلتي، الآن أقوم بترشيد الاستهلاك بشدة باستخدام (السخانة الليزرية) ومع ذلك لا تدوم أكثر من خمسة عشر يوماً.

بعض أرباب الأسر شكوا في الأمر فقاموا بوضعها على الميزان ليكتشفوا نقصاً حاداً، وفي بعض الأحيان وصل النقص لحدود 50% ، بينما آخرون ادعوا بتفاوت النسبة بين كل جرة وأخرى وهذا ما حصل مع الأخوين (أحمد – محمد) حين قاموا بوزنها دورياً ليتحققوا من الأمر فاكتشفوا فرقا بلغ 1،2 كغ بين الجرتين، أما في الاستلام الثاني كان الفارق 800 غ والثالث 1 كغ (أنت وحظك).

وللأمانة فإن نصف من التقيناهم تقريبا وضع هذا النقص في رقبة (سادكوب)، ولكن النصف الآخر وضعه في ذمة (المعتمدين).

الطرف الثاني.. متعهدو البيع

لم نكد نفتح فمنا عن الوزن حتى فتحت في وجهنا (مو جرة الغاز لا سمح الله) أبواب الغضب، أساساً لم ينتظرنا المعتمد لنكمل باقي الاستفسارات، فهمها كإهانة شخصية له ورد ما اعتبره انتقاصاً من ذمته إلى معشر الناس، نفخ كرشه الكبير ثم أشهر أصابعه وقال: (عد لقلك).

1- رغم أن كل من وصلته الرسالة سيأخذ جرته لا محالة ولكنهم يندفعون معاً كالسيل، لا يريد أحدهم أن ينتظر لبعض الوقت رغم أن المدة المحددة تطول ليومين، كلهم يأتون في الساعة الأولى، أخذ نفسا كالشخير وأضاف بغضب أشد: لا بل في الدقيقة الأولى.

2- بعد أن يستلموها يبدؤون بالشكوى أن وزنها ليس نظامياً رغم أن الشاحنة تفرغ الحمولة أمام أعينهم ولا وقت لدي للإنقاص منها بتعبئة (الغازات الصغيرة) ومع ذلك لا أسلم من اتهاماتهم.

3- البعض من منهم يأتي ليصرخ في وجهي أن الرسالة أتته وهو لا يملك المال رغم حاجته الشديدة للغاز ثم يبدأ بشتم البطاقة (الذكية)، فهل هذا ذنبي أنا؟ لماذا لا يذهب إلى سادكوب أو تكامل ويقول لهم ما يحلو له عن نظام البطاقة وملاحظاته عليها بدلاً من أن (ينق على راسي)؟

تركناه يقف أمام باب مستودعه دون أن نجرؤ على توجيه سؤال آخر له، بينما قمنا بمحادثة هادئة مع معتمد ثان في مكان أبعد.

هذا المعتمد كان خريجاً جامعياً وطالت الجلسة معه لسهولة توجيه الأسئلة والطروحات مع الإجابات المنطقية التي أعطاها، لم ينكر الرجل أن بعض ضعاف النفوس من المعتمدين يكون الربح المضاعف هو الهدف الأول لهم، ويلجؤون فعلاً إلى تعبئة غازات (السفاري) الصغيرة، ولكنه في نفس الوقت وجه اللوم الأول لسادكوب التي بإمكانها وضع سدادة بلاستيكية على صمام الجرة كما وعدت لمرات عديدة لكنها لم تفعل، فوجود السدادة يبرئ ساحتها أولاً ويحصر الخطأ بالفاعل الحقيقي، مع العلم أن بقاء الوضع على حالة يشتت الاتهامات بين طرفين ولكن العقوبة تكون على طرف واحد – المعتمد-  بينما تنجو هي بفعلتها رغم ملاحظة بعض النقص من المصدر الأصلي – سادكوب- طالت الدردشة وتعمقنا في الحديث أكثر فأسر لنا بالمزيد من المعلومات التي يتلخص أهمها ببعض الرشاوى التي تقدم لزيادة عدد (النقلات) التي يستحقها المعتمد وهذا ما يفسر طول مدة الاستلام عند بعضهم لستين يوماً وقصرها عند البعض الآخر (اللي بيدفع) بما لا يتعدى 35 يوماً.

الطرف الثالث.. سادكوب

رغم أن ما نراه على شاشات القنوات الرسمية من توجيهات القيادة حول التعامل الصريح والشفاف مع وسائل الإعلام الوطنية والرسمية، لكن بعض الوزارات والإدارات تصر و تشدد على مديريها وتوجههم صراحة بعدم الرد على أسئلة الصحافة دون الرجوع إليها، البعض يروق لهم اشتراط الأسئلة المكتوبة ثم إرسالها لهم كي يدخلوا الصحافة في معمعة الانتظار، أو بقصد تدارك الخطأ قبل الإجابة لتقديم أجوبة نموذجية، أحيانا يبلغ التعالي حد (التطنيش) وعدم الرد، وهذا كانت الحجة المقدمة من المهندس عدنان ديب مدير فرع سادكوب في طرطوس، وكي لا نخالف ضميرنا فإن الرجل كان متعاوناً ورحب الصدر بما يكفي ليعرض علينا زيارة قسم غاز بانياس (مركز التعبئة) وأبدى استعداداً صادقاً للإجابة عن أي سؤال كان بعد أخذ الإذن حسب التعليمات الواردة إليه، بكل الأحوال، خضعنا لهذه الإجراءات المعقدة وغير المبررة، أرسلنا الأسئلة عبر (الفاكس) وانتظرنا.

كالعادة.. لم يأتِ الرد

حسب ما ينص قانون الإعلام فإن مهلة الرد على الأسئلة هي أسبوع، لكننا لم نتلقَ أية إجابة خلال هذه المهلة، اتصلنا تلفونياً للاستيضاح فقيل لنا أن الإدارة العامة في دمشق تلقت أسئلتنا ولم تجب إلى الآن، أسبوع ثان ثم ثالث لندخل في عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة، وكما توقعنا.. لا رد.

ولذلك.. أمام الناس التي من حقها معرفة الحقيقة عما يحصل في شركة عامة سنوجه لها ذات الأسئلة التي أرسلت عبر الفاكس على صفحات جريدتنا وهي:

1- لماذا تختلف مدة استلام جرة الغاز بين متعهد وآخر؟

2- يشتكي بعض المواطنين من استلامهم لجرة الغاز بوزن ناقص، ما السبب؟ وبماذا تبررون ذلك؟

3- وعدت الإدارة العامة لديكم مراراً وتكراراً بوضع سدادة بلاستيكية لمنع التلاعب بالوزن، لماذا تراجعت؟

4- بعض المتزوجين حديثا اشتكوا أنكم رفضتم تزويدهم بجرة غاز على دفتر العائلة، هل هذا صحيح؟

5- هل هناك أي نية لزيادة السعر كما يتداول العامة، أم تنفون ذلك؟

6- نتمنى منكم الموافقة على زيارة قسم غاز بانياس للاطلاع وتصوير عملية التعبئة.

الطرف الأهم.. تكامل

هي الطرف الأهم في قصة الغاز، لا بل أنها أصبحت الطرف المتحكم بكل شيء (غاز- مازوت- بنزين- خبز- مواد تموينية).

 عند كل أزمة يتم إقحام بطاقة (تكامل) مع مبررات وحجج تصورها كحل سحري، ثم نكتشف أنها زادت الطين بلة وخلقت مشكلة فوق المشكلة الأصلية، بدءاً من الطوابير وليس انتهاء بإجراء معاملات معقدة مع إدخال بيانات وإخراج معلومات… والاستفادة الوحيدة كانت لصالحها هي فقط، عبر جني المزيد من الأرباح عند كل عملية تقوم بها، بغض النظر عن كل هذه الأمور التي ليست مثار تحقيقنا الآن، أردنا أن نفهم نحن ونفهم المواطنين بعض التفاصيل عن النظام المعتمد لديها في توزيع الغاز المسمى (وين – way in ) وما رافقه من تساؤلات تهم الناس ممن لا يجيدون التعامل مع الأنترنت، إضافة لبعض الأسئلة الشائعة على لسان العامة مع الاستفسار عن الأخطاء التي وقعت بداية… ولكن.

هذا ما حصل

تواصلنا مع أحد المهندسين ممن قيل لنا أنه مدير تكامل في طرطوس، ادعى الشخص أنه ليس كذلك ولا وجود أساساً لهذا التسمية في المحافظة فطلبنا منه رقم المدير العام للشركة، إجابته كانت بوجود مدير تنفيذي فقط ولا يسمح بإعطاء رقمه لأي كان، ورغم الاستعلاء والعنجهية الواضحة في حديثه لكننا تغاضينا عن ذلك بهدف الحصول على نتيجة لم نوفق في استحصالها رغم صبرنا، بعد استنفاذنا للمحاولات في إيجاد مدير أو حتى ممثل عن هذه الشركة وهذا ما يعتبر مريباً بشدة، خطرت لنا فكرة الاتصال بالرقم الموجود على خلفية البطاقة، رحب باتصالنا المجيب الآلي معدداً الخيارات حتى وصل إلى خيار التحدث مع موظفي الاستعلامات، ضغطنا الرقم المطلوب وفي نيتنا التواصل مع أحد المسؤولين لدى الشركة ولكن الرنين استمر طويلاً ثم قطع الاتصال، أعدنا المحاولة عدة مرات والنتيجة ذاتها (لا جواب).

لمن نوجه الأسئلة

في الفقرة السابقة وجهنا الأسئلة علانية لسادكوب، فهي مؤسسة حكومية ذات تراتبية إدارية ونستطيع أن نضع (كل) أمام مسؤولياته في حال التقصير، أما في حالة تكامل فنحن عاجزون تماما عن معرفة أي شيء بشكل مثير للريبة، ولا نستطيع تحديد من هو المسؤول أساساً، فالشركة مجهولة المدير رغم تغيير تبعيتها إلى شركة حكومية تتبع وزارة النفط باسم (محروقات)، أليس المفروض وجود إدارة لها؟

في النهاية.. نعترف

نعترف أمامكم أننا لم نخرج بنتيجة تفرحكم في هذا التحقيق، ولم نحصل على أجوبة لأسئلتكم، أو حتى اقتراح حل لمشكلة الغاز المزمنة التي تعانون منها، فالجهات التي من المفروض أن تقدم لنا التبريرات أو تستمع للمشاكل بغية تلافي الأخطاء رفضت التعاون نهائياً، ونحن كصحافة لا نملك القرار.. نملك هذا القلم الذي يكتب صوتكم… فقط.

كنان وقاف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار