الوحدة : 6-12-2020
عندما كانت المرأة الشرقية تطالب بإنصاف المجتمع لها ومساواتها مع الرجل لنيل حقوقها كاملة سواء بالعمل أو العلم و أمور أخرى وبعد فسح المجالات أمامها وفتح بوابات الانطلاق لمواهبها وقدراتها وإمكانياتها أثبتت للرجل أولاً وللمجتمعات برمتها ثانياً أن النجاحات بأكملها والتي كللت جبين العظماء من علماء وفلاسفة وكتاب وغيره لم تكن إلا بفضل تصميمها وإرادتها التي سطرت من خلالها صفحات من الكفاح والتحديات لجميع الظروف وفي كافة المناسبات والحالات بهدف الحفاظ على أسرتها ومجتمعها سواء.
كما عانت المرأة على المدى الطويل من عدم قدرتها على استثمار أفكارها وإمكانياتها الإبداعية وكانت دائماً بانتظار اقتناص الفرصة السانحة لتأكيد ذاتها وتحقيق الموجود من اللا موجود والنتائج القيمة من الأولويات البسيطة وهذا ما أثبتته فعلاً بعد اهتمام مجتمعاتها التي أدركت مؤخراً دور وأهمية تحفيزها وتنمية مواهبها من خلال برامج وخطط تنموية تطويرية أثبتت المرأة عبرها دورها في إدارة أسرتها وقدرتها على النهوض بمجتمعاتها نحو الأفضل.
لذا اقتطفنا قرطاسية صور لعدد من النساء والتي جسدت عزيمتهن وإصرارهن على تأكيد دورهن وإثبات وجودهن، تلك الصور التي استقيناها من أرض الواقع للنساء الريفيات في محافظة اللاذقية فأحييناها بلقاءات مطولة تحنى لها الرؤوس فكانت كومضات سريعة أنستنا الوقت والزمن للذة احاديثهن وسماحة قلوبهن وعشقهن لعملهن الذي لا تغفل عين الناظر عنه لحظة لمدى جماليته ودقته.
(ملكة) إحدى النساء العاملات في مركز صناعة السجاد اليدوي الكائن ضمن مبنى مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل لمحافظة اللاذقية والتي أوضحت لنا كيفية وصولها لذاك المكان الذي وجدت فيه نفسها قائلة: أثناء حديث مع جارتي والتي كانت تعمل مهندسة في وحدة الشبطلية التابعة لمدينة جبلة وقد أخبرتني عن بدء دورة تدريبة للنساء الريفيات الراغبات بتعلم مهنة صناعة السجاد اليدوي ضمن وحدة الشبطلية وفعلاً التحقت بالدورة لمدة ستة أشهر خلال عام ١٩٩١ ومن ثم تلتها دورة تكميلية لمدة ثلاثة أشهر إذ اكتسبت معلومات قيمة وبعدها تم فرزنا للعمل ضمن صالة كبيرة من قبل مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل وقد كنا آنذاك نتقاضى الأجر على القطعة الواحدة وبقينا على هذا المنوال حتى عام ١٩٩٧ حيث تم تثبيت عدد من العاملات وهكذا أصبحنا نتقاضى أجورنا وفق نظام الرواتب الشهرية.
وبالنسبة لطبيعة العمل كشفت السيدة ملكة إنه صعب وسهل جداً كون صناعة السجاد اليدوي تتطلب دقة واحترافية وفناً عالياً إضافة لخبرة العاملة مؤكدة أن صناعة سجادة يدوية تشبه تماماً لوحة فنية قد أضفى عليها الفنان جميع ايداعاته ولمسات يده الخفية وذوقه لتلفت أنظار الجميع.
وأضافت ملكة أن السجاد اليدوي يتميز بالجودة العالية لذا هو مرغوب من قبل الزبائن إذ تورث القطعة من جيل لآخر ومن الآباء للأبناء مشيرة إلى تنوع أصناف الخيوط المستخدمة في هذه الصناعة والتي تأخذ عدة أشكال منها صنف ٣٠٠ و٥٠٠و٦٠٠ وأصناف أخرى، منوهة إلى أن صنف ٤٠٠ الذي يتم استخدامه حالياً هو نوع جيد إذ كلما كان الخيط رفيعاً كلما زاد سعره وقيمته.
وبينت ملكة أن صناعة السجاد اليدوي مكلفة نوعاً ما وتحتاج إلى مواد مختلفة من صوف وقطن ورسومات ومضارب ومقصات وغيره وهذه المواد تقوم المديرية بتأمينها للمركز وللوحدات الصناعية الأخرى الموجودة ضمن الأرياف.
أما فريال فبينت لنا أنها تعمل في مركز صناعة السجاد اليدوي منذ حوالي ست سنوات وبعد إخضاعها لدورة تدريبة سابقاً كاشفة لنا أنها انقطعت منذ فترة مضت عن العمل لأمور عدة مرتبطة بظروفها الصعبة المتعلقة ببعد قريتها عن مكان عملها وعدم توفر مواصلات وضعف الأجر كونها مازالت تعمل وفق نظام الإنتاج أي (تقاضي الأجر على القطعة الواحدة) منوهة إلى أن العمل في هذا المجال يحتاج إصغاء ذهنياً وجسدياً كاملاً هذا وقد أبدت لنا فريال حبها وتعودها على صناعة السجاد اليدوي متمنية زيادة الأجور أو تخصيص رواتب شهرية لجميع العاملات وفق عقود دائمة للحفاظ على هذه الصناعة و استمرارية العمل فيها.
بدأت هانية محفوض عملها في هذا المجال منذ كان عمرها ١٣ عاماً على حد قولها
وهي الآن على أبواب التقاعد موضحة حبها وعشقها لهذه المهنة التي أصبحت مزروعة في دمها وقد أتقنتها بجدارة بعد خبرة دامت ٤٣ عاماً إلا أن هانية كبقية زميلاتها تمنت لو بالإمكان تأمين صالة مناسبة للعمل بسبب ضيق مساحة المركز الذي لا يسمح بفرد السجاد أثناء عملية قياسه والنظر بأوضاع بقية العاملات اللواتي يعملن وفقاً لمبدأ الإنتاج وتحسين أجورهن وتثبيتهن وهذا بدوره يسهم باستمراريتهن في العمل وبالتالي الحفاظ على هذه الصناعة من الانقراض.
رئيس دائرة التنمية الريفية لمديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في محافظة اللاذقية عروة حسن كشف لنا أن تمكين المرأة الريفية من قبل المديرية يتم وفق خطوات ومراحل متتالية تبدأ بدورات تدريبية في مجالات مختلفة كصناعة السجاد اليدوي والشمع منوهاً لرسم خطة عمل جديدة بالتعاون مع اتحاد الحرفيين لإدخال صناعات يدوية أخرى مثل صناعة الكروشيه والملابس الصوفية وتغليف الصابون بطرق يدوية منزلية إضافة لخطة تتضمن صناعة مواد المونة الغذائية وهي قيد الدراسة.
وبالنسبة لمدة الدورات ذكر حسن أنها على مرحلتين الأولى ستة أشهر تليها دورة متممة مدتها ثلاثة أشهر منوهاً إلى حصول المتدربات أثناء الدورة على تعويض (أجور مواصلات)، وهذه الدورات كفيلة بحصول المتدربة على الخبرة الكافية لمباشرة العمل مبيناً آلية الإعلان عن هذه الدورات تكون من خلال رؤساء البلديات والمخاتير إذ يتم تسجيل الراغبات بالانتساب لهذه الدورات ضمن الوحدات الصناعية الريفية لمباشرة الالتزام بالدورة في الوقت والتاريخ المعلن عنه مسبقاً.
وأضاف الأستاذ عروة: يوجد إقبال كبير للنساء على التعلم واكتساب الخبرات إذ لا يقل عدد النساء في كل دورة عن ١٣ سيدة وبعد الانتهاء من الدورة نقوم برفد النساء الخريجات على المشاريع القائمة لدى مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل مؤكداً أن الهدف العام من هذه الدورات هو تحسين الإنتاج وتنميته و النهوض بواقع المرأة الريفية بشكل خاص من خلال تأمين فرص عمل تجعل منها عنصراً فعالاً يسهم في دعم دخلي الأسرة والمجتمع معاً.
وعن كيفية تقاضي العاملة أجرها قال حسن: من خلال عقود عمل على الإنتاج يتم منح العاملة أجرها وحسب التسعيرة الوزارية لكل متر مربع وهذا مرتبط بقدرة العاملة على إنتاج الأمتار من السجاد مشيراً إلى أن الهدف من الصناعات اليدوية هو خلق منتجات منافسة لمنتجات السوق من حيث الجودة والنوعية وتمكين النساء للحصول على فرص عمل تساعدهن في التغلب على ظروفهن.
لنا كلمة
لم ترضخ المرأة الريفية لعناد الحياة التي ترصدت لها كقساوة الجبال بل أبت الاستكانة والصمت المطلق أمام التحديات معلنة إصرارها على إبراز دورها وفعاليتها أمام الجميع وفي كل المنابر التي أطلقت العنان أمام العظماء من الرجال والذين اعترفوا من تلك المنابر بأن نجاحاتهم كانت بفضل أمهاتهم وزوجاتهم
ليقولوا للعالم بأن المرأة هي نصف المجتمع لا بل المجتمع كله.
جراح عدره