وقال البحر من أوراق الماضي…

الوحدة 29-7-2020


 

تجدر الإشارة إلى اعتبار الإبداع الحرفي والفنون الشرقية نتاج سلوك وعراقة وثقافة وتاريخ كل شعب استوطن هذا التراب، ولهذا أشكال مختلفة وصور متنوعة، فالإبداع هو فن قائم بحد ذاته، وله مجموعة من كلا القوانين المكتوبة وغير المكتوبة، وهو ابتكار للجديد غير التقليدي، كما أنه يبرع في تحويل جمال الحرفة إلى أيقونة نفيسة وساحرة البهاء من خلال المهارة والابتكار، وتُشكل الأعمال الإبداعية في مجال الحرف التراثية والمهنية من الأجداد إلى الأبناء ومن ثم إلى الأحفاد حجر الزاوية في المنظومة الإبداعية، فالموروث المهني والثقافي يجب أن يبقى قائماً ويخلق فنوناً رائعة مزينة بالتألق واللمعان والتفرد قل نظيرها في أصقاع العالم، ولكي تتحقق عملية الإبداع ووصولها إلى الغاية المطلوب تحقيقها فيجب مراعاة تناغم وتوافق الشكل والمضمون إضافة إلى ربط تطور الفنون بتطور المجتمع من خلال فهم دلالات ومعاني أصالة الفنون الراقية الأمر الذي يؤدي إلى إخراج وإنتاج عمل إبداعي له رمزيته وأصالته ورفعة محتواه.   

اشتهرت سورية بصناعاتها التقليدية على مر العصور ومنذ أقدم الأزمنة ومن أبرزها الصناعات النسيجية كالبروكار والدامسكو والأغباني، والصناعات الخشبية المطلوب تماشيها مع مبادئ العلوم الأساسية كالحفر على الخشب ونقش الرسوم والزخارف وفن الموزاييك الخشبي وتطعيم العاج والصدف على مختلف أنواع الخشب، ورغم حضور بعض تلك الصناعات الحرفية اليدوية بشكل خجول على صعيد النشاط الاقتصادي والطلب الاجتماعي فقد برزت الصناعات النحاسية كأكثر وأميز الصناعات اليدوية التي تم تعديلها وتطويرها لتكون مواكبة ومتناغمة مع تطبيق مصطلح عصرنة المنتج في مجال الديكورات الحديثة وصولاً إلى شكل يرضي كل الأذواق كترصيع النحاس بالكريستال المميز ليكون أكثر قبولاً وطلباً ودون المساس بالهوية الأساسية للمنتج.

تعتبر السياحة التراثية كنزاً ثميناً وشاهداً صادقاً على إبداع المرء في توثيق حقب تاريخه الطويل وقصص حضارته المتعاقبة، ويُساهم قطاع الحرف اليدوية والمهن التراثية كعنصر جذب مهم وحيوي في تنمية وتفعيل السياحة التراثية من خلال تحقيق معادلة إرضاء السائح وإسعاده وتلبية احتياجات المجتمع المضيف، وبصورة عامة تُعد قيمة العائد المادي لاقتناء أي قطعة من منتجات الحرف التراثية العامل الأبرز والأكثر أهمية في استمرارية بقاء هذا النوع من النشاط المهني كذاكرة حية لتاريخ وهوية أي شعب من شعوب الأرض.      

يُعد النحاس من أوائل المعادن استخداماً واستعمالاً شتى الميادين وهو المعدن الثاني بعد الحديد من حيث تعدد المنافع ومن أفضل المعادن توصيلاً للكهرباء والحرارة ومن أسهل المعادن من حيث مجمل عمليات الطرق والسحب وقد اعتُبر صهر النحاس فناً من الفنون المميزة، وكان يُستخدم في طلاء السفن حتى لا تتعرض للتلف ولا يخفى بأن النحاس عنصر قوي في تقوية العظام وجعلها أكثر صلابة ويساهم أيضاً في حُسن استخراج الطاقة من الطعام ومقاومة الأمراض الجلدية، ومن الاستخدامات الرئيسية للنحاس يُذكر منها: مواد الكهرباء والإلكترونيات ومواد البناء ومعدات النقل والآلات الصناعية وغيرها من الصناعات المنزلية والديكورات وفي مقدمتها صناعة الثريات والتي أصبحت تُقدم قطعاً فنية تُعبر عن مكنونات أحاسيس مرهفة وعبق ذكريات دفينة ومشاعر حب وعشق تنقل النفس من حال إلى حال.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار