الوحدة : 24-4-2020
ما حال الاقتصاد السوري بعد شهر من وباء الكورونا، وبدء تطبيق الاجراءات الاحترازية التي عطلت النشاط التجاري، وأثرت على صحة الأسواق، حرصاً على السلامة العامة.
وهل نجحت إجراءات الفريق الحكومي والاقتصادي المعني بالتصدي للوباء، في تحصين البلاد من تبعات الإغلاقات، وهل من مصلحة البلاد والعباد استمرار إيقاف النشاط الاقتصادي، وتركه يسير على قدم واحدة، لأكثر من شهر في بلد يعاني منذ تسع سنوات من الوقوف وسط حرب غير مسبوقة، كانت الحرب الاقتصادية أقسى فصولها.
وما انعكاسات الإغلاقات الاحترازية وإعادة الافتتاح المحدودة الأيام على دوران عجلة الاقتصاد؟
يقول الدكتور أحمد أديب أحمد: إن ما يحدث في الاقتصاد السوري لا يخضع لأية نظرية اقتصادية عرفها العالم، والأمور مركبة ومعقدة تجتمع فيها خيوط الحرب والإرهاب والعقوبات الاقتصادية والفساد المؤسساتي وفشل الأداء الحكومي وغياب الرقابة والمحاسبة الحقيقية.
وحول القرارات التي اتخذت بشأن إغلاق المحال التجارية أكد د. أحمد أنها: كانت غير مدروسة على الإطلاق، وكذلك الأمر بالنسبة لقرارات إعادة الافتتاح المحدودة، لأنها من جهة أولى لم تحقق الغاية منها وهي الوقاية من انتشار المرض، ومن جهة ثانية سببت أزمة معاشية لكل العاملين في هذه النشاطات التجارية والاقتصادية، إذ انقطعت أمامهم سبل العيش، ولم يتم تعويضهم بما يغطي حاجاتهم المعاشية، عدا عن حالة الخلل الاجتماعي الذي أصاب المجتمع بسبب توقف وسائط النقل العامة، وارتفاع الأسعار الجنوني الذي أثر بشكل سلبي على مستوى المعيشة العام، ولم تحرك الحكومة ساكناً في مواجهة هذا الارتفاع، بل وقفت عاجزة أمام تجار الأزمة، والأسوأ من ذلك أن بعض المسؤولين خرج ليبرر ارتفاع الأسعار استرضاءً لكبار التجار والمستوردين ورجال الأعمال، وهذه جريمة بحق الشعب في ظل هذه الحرب الشرسة.
مشيراً إلى أن ارتفاع الأسعار هو الشغل الشاغل للمواطن في هذه الأيام، وإن الأسعار ترتفع عادة في الحروب والأزمات، وخاصة أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية والغذائية، لكن التدخلات الحكومية أدت إلى الفوضى نتيجة عدم الخبرة والاستفادة من التجارب السابقة، مما أدى إلى العودة للوراء، حيث أصبحت القرارات الحكومية خادمة لتجار الأزمة بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا ما انعكس واضحاً في قرارات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي تضمنت رفع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية تبعاً لارتفاع الأسعار في السوق، أي أن القرار الحكومي برفع الأسعار أتى كرد فعل على ارتفاع الأسعار في السوق السوداء، وليس كفعل إيجابي لحكومة تتحكم بقرارها المستقل، فوجود تجار الأزمة يضخم الأزمة بشكل يخنق المواطن اقتصادياً ويؤثر على قدرة الدولة على الصمود في وجه العقوبات الاقتصادية وظروف الحرب، فإذا كانت عملية رفع الأسعار وسيلة لترشيد الاستهلاك والإنفاق كما هو متعارف عليه في كل أزمات العالم كإجراء حكومي مدبر، فإن القرارات التي اتخذتها الحكومة السورية لم تحقق هذا الهدف، ولم تكن إجراءً يفرض نفسه باعتبار أن العرض أقل من الطلب مما يؤدي لارتفاع السعر، لكن الهدف تحول من ترشيد للاستهلاك إلى منع للاستهلاك لأنه تجاوز الإمكانية القصوى للمواطن.
ورداً على سؤالنا حول إمكانية عودة العجلة الاقتصادية إلى الدوران قال د. أحمد: من الطبيعي أن تعود العجلة الاقتصادية للدوران لأنها مرتبطة بدوران عجلة الحياة، ولكن المشكلة تكمن في التساؤل الآتي: من سيعالج التشوهات الحاصلة في الاقتصاد السوري، والذي فقد هويته، فلم يعد اقتصاد الفقراء القائم على الاهتمام بقواعد الشعب المتمثلة بالفلاح والعامل والعسكري، ولم يتحول إلى اقتصاد حر يعتمد في تحقيق توازنه على قوى العرض والطلب!؟ من جهة أخرى: من سيعالج التشوه في بنية الاقتصاد السوري الذي تحول من اقتصاد منتج قائم على الاعتماد على الذات، وخاصة في المجال الزراعي، إلى اقتصاد عقيم مستورد لكل الحاجات الأساسية؟ وهذه الأسئلة موضوعة برسم الفريق الاقتصادي المختص والحكومة الحالية.
وحول ملامح الفترة القادمة قال د. أحمد: لا يمكننا أن نتكهن بملامح الفترة القادمة، لأن القرارات التي اتخذتها الحكومة سابقاً لا تبشر بإيجابية، فلا يوجد أي قرار يعتمد على الأرقام والمؤشرات، ولا على الدراسات، إنما هي قرارات ارتجالية وفقاً لآراء شخصية تعتمد على التجريب والفشل، مع عدم إصلاح ما خربته القرارات السابقة، أي أن كل فشل يبنى على فشل سابق، مما يؤدي إلى أن يكون البناء الاقتصادي متهالكاً وهشاً وقابلاً للانهيار في أية لحظة.
وأخيراً طرح د. أحمد أديب أحمد جملة من الحلول الواجب العمل عليها لمواجهة هذا الارتفاع الجنوني للأسعار وإنقاذ اقتصاد البلد قبل أن تحل الكارثة الاقتصادية، منها:
1- تحقيق توازن العرض والطلب من خلال ضرب تجار الأزمات وضرب كل من يؤثر على توازن السوق في سورية، سواء كان كازية أو فرن أو تاجر جملة أو أي مواطن يحجب البضائع في السوق، لاسيما البضائع التي تقدمها الدولة.
2- فرض عقوبات جزائية إضافة إلى العقوبات المالية حتى تصل العقوبة لاستملاك استثماراتهم.
3- تفعيل أكبر لمؤسسات التدخل الإيجابي (السورية للتجارة) بشكل أفضل وتحسين عملها أفقياً وعمودياً.
4- وضع قانون يجبر المستثمر على الاستثمار في مجال تحدده الدولة وتحت رعايتها.
5- إعفاء رواتب العسكريين والمعاملات التي تخص الجيش من أي رسم أو ضريبة.
6- تبادل العملات المحلية مع الدول الحليفة دون اللجوء للدولار.
7- ترشيد الاستيراد من خلال هو وقف استيراد ما لا يلزم، لأنه يكون على حساب قيمة العملة الوطنية، حيث أن فواتير الاستيراد تدفع بالعملة الصعبة، ويتضمن ترشيد الاستيراد ما يلي: وقف استيراد المواد الكمالية، ووقف الاستيراد من الدول المعادية، ووضع قيود على المستوردين لمنع تسرب العملة، ووضع قانون يجبر التجار على استيراد مادة تحتاجها الدولة، وفتح باب الاستيراد لنفس كمية القطع الداخلة عبر التصدير، وهذا يحتاج إلى رقابة شديدة، لأن ما يدخل إلى البلد عبر التصدير أقل بكثير مما يخرج منها عبر أقنية الاستيراد أو التهريب.
8- يجب أن تكون الدولة هي المسؤولة عن استيراد المواد الأساسية، أو أن تلعب دور الوسيط (بحيث يكون الربح للدولة والرقابة مباشرة).
9- وقف التهريب إلى البلدان المجاورة، خاصة تهريب المواد الغذائية والأساسية، وإنزال أشد العقوبات بالمهربين واعتبارهم إرهابيين اقتصاديين يجب محاسبتهم محاسبة شديدة.
وختم د. أحد بالقول: إذا كان الهدف الأساسي للدولة في تدخلها هو محاربة الأنشطة غير القانونية (السوق السوداء)، فإن توازن العرض والطلب للسلع والخدمات لا يتحقق بإصدار القرارات العشوائية بل بضرب تجار الأزمات وضرب كل من يؤثر على توزان السوق.
تمام ضاهر