بين مطـــــرقة الأســـــــعار وســـــــندان الراتـــــب… التقــــــشف يتصــــــــــاعد

العدد : 9550
الأحد 15 آذار 2020

 

الغذاء أفضل من الدواء… عبارة متداولة منذ مئات السنين ينظمها موروث عن الفوائد الصحية لأنواع الغذاء المختلفة في بيئة زراعة عضوية ساهمت ببناء أجسام قوية صحيحة.

مع انتشار ثقافة استهلاكية جديدة هدفت إلى تسويق الوجبات السريعة وأنواع لم تكن موجودة لتغزو العالم، نشطت مراكز البحوث العلمية للغذاء والتغذية والزراعة عبر العالم لتصحيح المسار عبر تقارير وإرشادات للعودة إلى الغذاء الصحي السليم وطرح النظام الغذائي الصحي.
في عام 1992 قامت وزارة الزراعة الأمريكية بإنشاء (الهرم الغذائي) الإرشادي لأول مرة كأداة للتثقيف الغذائي حيث دُرّس في المدارس، ووضع كملصق على غلاف الأغذية، يُظهر الهرم مجموعات الطعام الخمس حسب الحصص المخصصة من القاعدة إلى القمة، مجموعات (الحبوب، الخضراوات، الفواكه، الحليب ومشتقاته، اللحوم)، ومع صدور النسخة الجديدة من المبادئ الغذائية التوجيهية في عام 2011 تمّ التخلّي عن شكل الهرم، واستُبدل بشكل الطبق الدائري الأبسط والأسهل لفهم الأفراد وبمختلف الأعمار، وكان نصف الطبق من الخضار والفواكه.
الهرم الغذائي.. العين بصيرة واليد قصيرة
كل ما لذّ وطاب من أنواع الخضار والفواكه على مرمى نظرك في أسواق الخضار وفي محلات بيعها في أحياء المدينة كافة وفي القرى.
لست بحاجة لمن يحاضر بك عن الغذاء الصحي وأهميته لترجمة (العقل السليم في الجسم السليم)، أين المشكلة إذاً؟
أيام زمان كانت تقول لها أمها قبل أن تذهب إلى عملها: ممنوع الخروج قبل تناول تفاحة على الريق، ثم وجبة الفطور على مبدأ (افطر فطور الملوك وتعشّى عشاء الفقراء)، وعندما تعترض تلك الصبيّة لتكتفي بفنجان القهوة مع أمّها تصدمها بعبارة: هل تمشي السيارة من دون بنزين؟
الوقود هو الغذاء، للنشاط واستمرار الطاقة خلال النهار للعمل أو للدراسة، ويؤثر غيابه ونوعيته على الأداء والصحة.
ما الذي تغيّر عند الآباء والأمهات في أيامنا هذه لشريحة واسعة من الناس؟
* الأستاذ أحمد، دكتور بكلية الاقتصاد ترافقه زوجته الموظفة في مديرية الصحة أسبوعياً للجولة في سوق الخضار لشراء حاجيات الأسرة لمدة أسبوع شنّ هجوماً عنيفاً على الجهات الرقابية لضبط الأسعار وتساءل: إذا أنا دكتور في الجامعة وزوجتي موظفة ولدينا ثلاثة أولاد نقف عاجزين عن تأمين متطلبات الحياة الدنيا من الطعام ونأتي إلى سوق الخضار والفواكه، ونبحث عن نوع واحد من الفواكه، ونشعر بالخجل أمام أولادنا عند السؤال لماذا لم تحضروا الموز، وآخر يسأل عن الفريز وأتجاهل طلب ابنتي الجامعية التي تعشق (ثمار القشطة).
* عبد الهادي من سكان الرمل الجنوبي، يشتري الخضار والفواكه من سوق وصفه بالأرخص في مدينة اللاذقية ويناسب شريحة الفقراء مقارنة مع أسواق خضار وفواكه أخرى والمحلات المنتشرة مؤكداً أن فروق الأسعار تصل إلى (150-250) ليرة مع باقي الأسواق والمحلات، والسوق مستهدف للشراء منه من مديرين وموظفين كبار يدخلون بسياراتهم لشراء حاجاتهم في هذه المنطقة التي تشهد كثافة سكانية، وعائلات قد يتراوح عدد الأولاد لديها من (5-9) ستبحث عن السعر الأرخص بغض النظر عن النوعية والجودة، وموقعه قريب من سوق الهال وتفرز الخضار والفواكه لتناسب الجميع، الحي فقير، والشعب فقير، بالأسبوع الماضي كان فيه عرض (3 كغ موز بألف ليرة).
* عبد المعين اصطحب طفلته لشراء خضار وفواكه من سوق أوغاريت، تسمّرت ابنته أمام محل يعرض فواكه استوائية لترشقه بسيل من الأسئلة عن اسمها ونوعها وكيف تؤكل.. توقّف جامداً حائراً، كيف سيجيبها وهو لا يعرف طعمها ولم تسمح له إمكانياته الماديةلاكتشاف اسمها وطعمها، وشعر بغصّة أما فضول الأطفال وضعف القدرة الشرائية على تحقيق رغبتها، فسحبها من يدها وتابع جولته وعيونها معلقة على فواكه استوائية معروضة بطريقة فنية جذابة واشترى لها البرتقال.
ثقافة استهلاكية جديدة
تجار الأزمة والأثرياء وشريحة لا تتجاوز 10% لا يشعرون بالحرج من استقبال الضيوف والزوار، الموائد عامرة، والبذخ مستمر، والفائض إلى حاويات القمامة، فيما الآلاف يعملون لتأمين لقمة العيش ويبحثون عن الأساسيات بعيداً عن الكماليات، فهل أصبحت الفواكه من الكماليات في ظل سعير الأسعار؟
* أم علاء حريصة على تأمين نوعين من الفواكه لطفليها (الموز والتفاح)، زين بالروضة ونايا بعمر ثلاث سنوات، هي مهندسة وزوجها مهندس، ولديهما عمل آخر لتأمين ظروف معيشية أفضل لطفليهما مع قناعتهما أن الأطفال بحاجة لنظام غذائي متنوع يساعد على النمو الصحي والصحيح.
* أم أشرف ينتابها الوجع أمام طفلتها التي تعود من المدرسة وتتجه إلى (البرّاد) لتفتحه وتتفاجأ بغياب فاكهتها المفضلة وهي التفاح بعد ارتفاع سعر الكيلو منه إلى (800) ليرة، تقول: كنت أشتري لها، أما ألآن مع ارتفاع سعره إذا استطعت الشراء أضع بضع تفاحات مع خضار من أجلها فقط، وأضافت: مؤخراً ظهرت ثقافة استهلاك جديدة بشراء الفواكه بالكيلو أو نصف الكيلو، وقد تصل إلى (حبة واحدة)، والسبب ضعف القدرة الشرائية في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني.
* استوقفني مشهد وقوف موظف كبير، مدير أعرفه، لشراء موز وتفاح من بسطة أمام جامع بساتين الريحان ثم استقل سيارته السوداء الفخمة وغادر المكان، هنا تأكدت من إشارة عبد الهادي حول دخول موظفين كبار إلى سوق الخضار الأرخص بالرمل الجنوبي لازال توجد شريحة منهم تعيش على راتبها وتتسوق من بسطات الخضار كالعامة ولم تدخل مضمار الفساد!
* أم علي قررت وضع ابنتها هيا وابنها كريم في نادي رياضي لتبعدهم عن محل العاب (البلاي ستيشن وألعاب الموبايل أو اللعب بالشارع لغياب حديقة بالجوار)، بعد أيام تفاجأت بأن المدرب وضع لهما نظاماً غذائياً إذا تم تنفيذه سيكلف ما يضاهي راتب زوجها بثلاثة أضعاف لتتساءل: هل قدر أبناء الفقراء الحرمان من كل ما يسعدهم ويساهم بنمو أجسامهم والرياضة حياة، اضطرت لإلغاء الاشتراك بالنادي.
* المعلمة رجاء تعيش مع والدتها بعد زواج إخوتها وانتقالهم للعيش بمنازل مستقلة، هاجس تأمين سبل العيش يقلقها بظل ارتفاع الأسعار، الراتب لا يصمد مهما كان الإنسان يتمتع بالحرص واقتصاديا ويحسبها لأن أي وجبة غداء مهما كانت تكلف 3000 ليرة بالحالات العادية لكن مع اجتماع العائلة بيومي الجمعة والسبت لا يمكن الحديث أو التعبير أمام الأم التي اعتادت كرم الضيافة والتعبير عن حبها لأولادها بالوجبات الدسمة والطعام بأن الظروف تغيرت والأسعار كاوية، وحال أولادها مع أسرهم كحال كثير من العائلات السورية، (يا دوب مشايين حالهم) أمام هذه المآسي ضحكت وقالت: مقدور على وجبة الغداء لكن الفواكه صارت من الكماليات مع ارتفاع أسعارها وخرجت من طقوس الضيافة لأحتفظ بها لنفسي لأنني قادرة على الاكتفاء بتناول خبز بالزيت ولا أستطيع الاستغناء عن الفواكه، ليست أنانية من أي شخص مع تغير ظروفنا المادية وانتشار الفقر والجود من الموجود وعدم الاستعراض بإظهار الكرم فيما حساب (السمان) ديون بالآلاف إذا وجدنا (من يدين ليتزين) وتذكرت صديقتها التي تشتري الفواكه لأطفالها ولا تضعها على طاولة الضيافة لزوارها لأنهم أولى بها لنموهم وصحتهم وتكتفي بفنجان القهوة أو كاسة المتة، وأضافت: هذه تفاصيل واقع نعيشها وظروف مادية ضاغطة فرضت سلوكا كنا نرفضه ولا نقبله بعلاقاتنا الاجتماعية.
* أما سامية فقد خالفتها الرأي باستمرارها بما اعتاد عليه من عادات (تببيض الوجه) أمام زوارها بالبيت لازالت تختار وتنتقي أفضل حبات الفواكه التي تشتريها وتقدمها لضيوفها و للأولاد ما بقي منها.
هناك نقطة
هناك ظاهرة انتشرت منذ سنوات تتمثل برؤية أبناء القرى يدخلون سوق الخضار ليشتروها ويحملوها إلى الكراج ثم بالسرافيس إلى منازلهم، ليست ظاهرة صحية مع انتشار شبكات الري للخضراوات الصيفية أو الأمطار شتاء للشتوية منها، ورداً على من سيتحدث عن ارتفاع تكاليف الإانتاج سنبحث عن غياب الحديقة المنزلية لزراعة تحقق الاكتفاء الذاتي وليس للتسويق والبيع مع الثقة بنوعية وجودة الخضار والورقيات المروية بأيدينا، من يسير بسيارته على خطوط القرى سيجد مئات الدونمات تصفر فيها الرياح وصاحبها يشتري الفول والورقيات والخضار من سوق الخضرة أو السمان بالقرية.
كانت الأسرة في القرية تحقق الاكتفاء الذاتي من الفواكه بوجود أشجار متنوعة كالرمان والمشمش والخوخ والتين و(عريشة العنب) على السطح أو تتسلق أشجار (بالحاكورة) وغيرها من أنواع رغم محافظة بعض القرى عليها وتميزها بمواقع أمام التراجع نشهد عودة لزراعة الفواكه التي تناسب بيئتنا لتحقق الاكتفاء الذاتي وللتسويق وتحقيق دخل مادي أفضل مع دخول زراعة الفواكه الاستوائية في الساحل على نطاق ضيق ووجود تجارب ناجحة ومنها مشروع الشاب حسن محمد بموقع (جانب جسر بلاطة غربية على بعد 3 كم) بمحاذاة أوتوستراد طرطوس- بانياس.

وداد إبراهيم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار