بين الشط والجبل …طرطوس الجميلة

العدد: 9295

19-2-2019

 

أجمل ما رأيت في طرطوس امرأة تشعل سيجارة وتدخن في الشارع، على الكورنيش، وفي الباص أو السيارة دون أن تلفت انتباهاً أو تتعرض للتعليق من أحد من الرجال..
المشهد عادي جداً، أن تصل امرأة متعبة من جولة في السوق إلى أول مقعد في حديقة مثلاً وتفتح حقيبة يدها، تخرج علبة الدخان، وتشعل سيجارة، أو تجلس على حافة الحديقة كرجل.
أن ترى امرأة تدير مكتباً عقارياً، أو محلاً صنع الحلويات في مركز المدينة، أن تجلس أمام بيتها مع جيرانها على الرصيف، أن تلبس ما تشاء في صيف حارق، ولا تتعرض لمضايقة من رجل أو حتى نظرة.. المشهد عادي.
أجمل ما عشته في طرطوس.. نصف ساعة تمر بسرعة، وأنا أستخدم سيرفيس خط الدريكيش، الطريق الصاعد إلى الجبال، ترافق الأودية، والقرى..
أجلس بجانب النافذة أفتحها، وأستقبل الهواء أو البرد أو الشمس.. لا يهم .. لا أتحدث مع أحد ولا أسمع ما يجري حولي من أحاديث، تحلق روحي بين الأشجار وعلى التلال في الأخضر الرباني، بين الغيم .. وأرى الجنان بعيون سكرى، أنصت إلى موسيقى الصمت حين أصل إلى قريتي، وإلى حفيف أوراق الشجر.. وعصافير وبلابل حرة لا تحبس في قفص، وطيور وسناجب وحشرات ولحن من طنين..
أرى بقرة تأكل العشب بين أشجار الزيتون بصمت، وحماراً مربوطًاً إلى شجرة ينتظر صاحبه، وهو متأهب جاهز ووجهه اللطيف ونظرته الخجولة كأنه شرب كأس خمر مترعة.. وقال للدنيا هات ما عندك..
عناقيد العنب تتدلى من شجر التوت، مسكنها وملاذها، والرمان يحمل نتاجه يتشقق يظهر حبات الجمان، ولا أحد يقطف ثمرة!!
التين.. مرغوب على ما يبدو.. فلا تجد حبة ناضجة على شجرة عند الظهيرة.. كل الحبات الناضجة أكلها مار سابق.. أو صاحب الشجرة.. لكن إن وجدت، يمكنك أن تأكل ما تشاء.. لا أحد يقف في طريقك أو يعد عليك الثمرات..
جني المحصول مهمة النساء قبل الرجال.. لا فرق بين رجل وامرأة.. العمل واجب خاصة حين قطاف الزيتون المحصول الأول هنا للعيش سنة كاملة.. أما القمح مؤونة الأسرة الهامة، فيزرع بين أشجار الزيتون… وقليل من الدخان حاجة كل أسرة.
أطيب بندورة عرفتها.. تلك التي كانت تزرع أمام بيوت الجدات.. في الحاكورة، تشرب من ماء السماء حيث لا يمكن حمل الماء من عين بعيدة على حمار لسقاية الارض بل للشراب والطعام فقط، وللحمام.. مزروعات لم تعرف سماداً سوى المحبة، ولم تحتج لنايلون، وتدفئة.. الطبيعة الأم تعطي ما عليها ومن قلبها.. وكل شيء في وقته جميل.
ما يحزن اليوم.. البيوت البلاستيكية التي تغطي الأراضي الواسعة في السهول.. والحديث الدائم عن كوارث بيئية حين تشتد العاصفة، وأضرار وتعويض و و.. وثمار بأسعار كاوية لمنتجات جميلة الشكل، قبيحة الطعم.

سعاد سليمان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار