«غــــير الأحمــــر» خطوط جديدة للخبز.. يهرّب دقيقاً ويتمّ التلاعب بأسعاره وأوزانه

العدد: 9292

14 شــــــباط 2019

(الخبز خط أحمر)، العبارة التي طالما سمعناها من الجهات المعنية، بخصوص المادة الرئيسية على موائد السوريين، تتواتر النغمة هبوطاً أو صعوداً مع كل موجة جديدة تجتاح الشارع وتتعلّق بسعر هذه المادة أو جودتها وحسن تصنيعها؟
غير أنّ واقع الحال يظهر تجاوز هذا الخط إلى خطوط جديدة، من خلال العديد من الطرق التي لاتقتصر على بيعه بأسعار تتجاوز المحدد له بعد أن تحوّل إلى تجارة رابحة بسبب بيعه على العدد وليس الوزن، أو إنتاجه بأحجام تخالف المواصفة القياسية السورية الموضوعة له، أو تهريب دقيقه الذي نسمع في كل يوم عن حالات تضبطها دوريات حماية المستهلك أو غير ذلك من المخالفات الأخرى التي تحفل بها سجلات حماية المستهلك وتنتشر في الأسواق واضحة وجلية للعيان.
وفيما يشكّل صنّاع الخبز وتجّاره مصدر هذه التجاوزات على هذا «الخط الأحمر» فإن صنّاع الخبز لهم وجهة نظر في هذا الموضوع حاولنا أن نطّلع عليها من خلال لقاء أجريناه مع محمد بشير رئيس الجمعية الحرفية للخبز في اتّحاد الجمعيات الحرفية في محافظة اللاذقية.
5000 ل.س أجرة عامل «الفرن»
وقد بدأ رئيس الجمعية حديثه بالإشارة إلى أنّ عدد الحرفيين التابعين لهذه الجمعية يصل إلى /196/ حرفياً منتشرين على امتداد محافظة اللاذقية، مبيّناً أنّ المواد الأساسية لهذه المادة مؤمّنة دون أيّ معوّقات حيث تشكّل مطحنة اللاذقية مصدراً لمادة الطحين التي يصل سعر الكيس منها إلى /936/ ليرة سورية، علماً أنّ هذا الكيس بوزن /50/ كيلو غراماً دون وجود شكوى في مجال نقص الوزن كما كان الأمر عليه في فترة من الفترات، أمّا مادة الخميرة فهي من نوع الخميرة الطريّة المنتجة في معمل حمص وتتمتع بالجودة دون وجود شكوى عليها من قبل المنتجين، حيث يتم تأمينها من خلال الجمعية التي تقوم بتوزيعها على الحرفيين في المخابز الخاصة ليتمّ تقاسم أرباحها على الجمعية الحرفية بواقع 40% والاتّحاد العام للجمعيات الحرفية 40% واتّحاد حرفيي اللاذقية بواقع 20%، في حين يتمّ تأمين مادة الملح للأفران بشكل دائم بأسعار مقبولة، في الوقت الذي أضحى فيه تأمين مادّة المازوت بالكميات المطلوبة موضع معاناة ولاسيما في ضوء الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي نتيجة التقنين والذي يضطر معها الحرفي لاستخدام مادة المازوت لتشغيل المولّدات وهو الأمر الذي زاد من استهلاك هذه المادة ومن تكاليف الإنتاج على الحرفي الذي لم تجدِ مطالب جمعيته المتعلقة بإضافة /200/ ليتر أسبوعياً لمخصصات الأفران بُغية تشغيل هذه المولدات والاستجابة لزيادة استهلاك المازوت نتيجة تشغيل المولدات، الأمر الذي شدّد على الاستجابة له رئيس الجمعية الذي أشار إلى رفع عدّة كتب بهذا الأمر دون الحصول على الاستجابة المطلوبة حتى الآن، على الرغم من ضرورة هذا الأمر بالنسبة للحرفي الذي يعاني أيضاً من ارتفاع فواتير الماء والكهرباء التي يدفعها نتيجة معاملته على أساس صناعي وتجاري ما يحمله من أعباء مادية كبيرة تضاف إلى التكاليف الأخرى، ومنها أيضاً زيادة الرواتب والأجور الناجمة عن الأزمة ونقص اليد العاملة الخبيرة حيث يصل أجر العامل في «الفرن» اليوم إلى قرابة 5000 ليرة سورية.
الطحين إلى الأرياف من دون مقابل
ونوّه رئيس الجمعية في سياق حديثه بالخطوة التي وجّه بها اللواء إبراهيم خضر السالم محافظ اللاذقية والمتعلّقة بإيصال مادة الدقيق التمويني إلى الأفران في الريف بواسطة السيّارات العائدة للدولة بدون مقابل عدا أجور العتالة التي تصل إلى /300/ ليرة للطن، على صعيد التخفيف من التكاليف التي كان يتحملها صاحب الفرن لإيصال هذه المادة إلى فرنه في الريف، باعتبار أنّ هذه الخطوة كانت مطبقة في المدينة سابقاً ومنذ فترة طويلة مؤكّداً أنّ هذه الخطوة ستسهم في الحد من تهريب الدقيق الذي كان يتمّ سابقاً.
القياس الصغير يزيد التكاليف
وحول القطر النظامي لرغيف الخبز قال رئيس الجمعية: بأنّه 35 سنتمتراً حسب المواصفة القياسية السورية مؤكّداً أنّ البيع بقطر أصغر مخالف، أمّا عن خطوة إنتاج رغيف بقياس صغير، الذي تتحدّث عنه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قال بشير: سيكون مكلفاً خصوصاً إذا تمت عملية بيع المادة بذات السعر باعتبار أنّ التصغير سيحتاج لوقت أكبر ولصرف مازوت بشكل أكبر، وهو ما سيزيد التكلفة على الدولة، مشيراً في الجانب المتعلق بتطبيق هذه الفكرة على الأفران الخاصة إلى صعوبة مثل هذا التطبيق وذلك نظراً لزيادة التكاليف، ونشير هنا إلى أن عملية بيع الخبر بأقطار أقل وعلى العدد منتشرة في عدد من المواقع و منها منطقة جبلة التي تكاد جميع أفرانها تبيع المادة وتصنعها بهذه الطريقة.
/63/ ليرة كلفة كيلو غرام الخبز
وفيما تشكل التكاليف الإضافية الناجمة عن استهلاك المازوت وأجور اليد العاملة عبئاً على أصحاب الأفران فقد أشار رئيس الجمعية إلى أنّ معالجة هذا الأمر يحتاج إلى اتّخاذ قرار جريء بسعر المادة لافتاً إلى رفع دراسات التكاليف إلى الجهات المختصة، ليأتي الرد دائماً بأن رغيف الخبز خط أحمر وأنّه لا إمكانية لزيادة أسعاره علماً بأن التكلفة الحقيقية لإنتاج كيلو الخبز وفقاً للّجنة التي درستها تصل إلى /63/ ليرة للكيلو غرام الواحد وذلك بالنسبة للأفران الخاصة علماً أن هذه التكلفة هي أكبر بالنسبة للأفران العائدة للدولة.
تفعيل دور ممثل الجمعية المهمّش يذكر رئيس الجمعية وجود تجاوزات لدى أصحاب الأفران إن كان على صعيد الوزن أو جودة التصنيع أو غير ذلك من أشكال المخالفات التي ترتكب من قبل البعض منهم لافتاً إلى أنّ دوريات حماية المستهلك تضبط تلك المخالفات وتتّخذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين لكنّه دعا في هذا الجانب إلى أن تكون العقوبة متناسبة وحجم المخالفة ولا تترك أثراً على المواطنين ولاسيما عندما تتعلق بتخفيض المخصصات، كون هذا الأمر يمثل عقوبة للحي الذي يعمل به الفرن مؤكداً على استبدال الحسم بغرامة مالية أو أي طريقة أخرى غير الخصم الذي صدرت العديد من قراراته في ظل وزير التجارة وحماية المستهلك السابق والذي طالبت الجمعية بإعادة النظر بها إضافة لمطالبتها بزيادة حصّة الأفران التي لا تزيد مخصصاتها عن 1,5 طن إذ لا يعقل أن تكون مخصصات فرن قديم 12طناً ومخصصات فرن جديد 3 أطنان فقط، باعتبار ذلك يمثل إجحافاً بحق الفرن القديم لافتاً إلى رفع عدّة كتب بالأمر الذي يتكرر طرحه في المؤتمرات الحرفية دون أن ينال الاستجابة المطلوبة حتى الآن على الرغم من عدالته وضرورته مشدّداً وفي الجانب المتعلق بمخالفات الأفران على ضرورة تفعيل دور ممثل الجمعية المهمّش حالياً عند تنظيم الضبوط التموينية بحق أصحاب الأفران


مواعيد مجحفة بحق المستهلك
وفي الجانب المتعلق بمواعيد فتح وإغلاق الأفران قال رئيس الجمعية: التعليمات الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تحدد العطلة الأسبوعية بيوم واحد لكل فرن، كما تحدد مواعيد الافتتاح بالخامسة صباحاً والبيع عند السادسة، ليلزم المخبز بالإغلاق فور الانتهاء من الإنتاج مؤكّداً أنّ هذه المواعيد موحّدة على جميع الأفران وذلك بهدف الحد من تهريب الدقيق وفقاً للوزارة ولو كانت مجحفة بحق المستهلك ولاسيما في الأحياء الشعبية والطلاب والموظفين،.
خبز «البقاليات» مخالف
ومن القضايا التي طالب رئيس الجمعية بمعالجتها لصالح الحرفيين العاملين في صناعة رغيف الخبز موضوع الكيس الفارغ للدقيق الذي تستردّه المطاحن بقيمة 10 ليرات سورية وتغرّم به صاحب الفرن بـ50 ليرة سورية، مطالباً بأن يكون الاسترداد بذات القيمة التي تأخذها المطاحن من دون تعريض صاحب الفرن للغرامة المالية. أما حول معتمدي بيع الخبز فقال بشير: الاعتماد محصور بأفران الدولة وجميع «البقّاليات» التي تبيع مادة الخبز المنتجة لدى الأفران الخاصة مخالفة، وهنا يشير إلى انتشار هذه الظاهرة التي يباع فيها الخبز بأسعار أعلى وبأوزان أقل في شتى مناطق المحافظة وذلك بشكل يدعو للتساؤل عن الرقابة التموينية لضبط هذه الظاهرة ولإنصاف المواطن نتيجة لجشع المتاجرين بهذه المادة علماً أنّ زيادة السعر لا تقتصر ووفقاً للسوق على الخبز المنتج في أفران القطاع الخاص حيث إنّ الخبز المنتج في أفران الدولة يباع بأسعار زائدة أيضاً، ويصل سعر الربطة منه إلى 75 ليرة سورية وفقاً لأسعار أسواق جبلة، علماً أنّ سعرها المحدد من الدولة والذي يتم البيع به في منافذ المخابز يصل إلى 50 ليرة سورية فقط وهو ما يدعو للتساؤل عن دور الرقابة التموينية في ضبط هذا الموضوع.
تمدد ظاهرة المتاجرة بالدقيق
نشير إلى أنّ ما قدّمناه يعكس حقيقة الأمر كما يراها الحرفيون بلسان رئيس جمعيتهم، علماً أنّ الواقع يظهر جوانب أخرى يعيشها المواطن مع هذه المادة التي تصرف الدولة مليارات الليرات السورية لتوفيرها للمواطن بأسعار مقبولة، لتذهب بعض هذه المبالغ لمجموعة من التجار الذين لا يهمهم سوى الربح حتى لو كان ذلك على حساب لقمة عيش المواطن، حيث لا يقتصر عمل هؤلاء على مخالفات نقص وزن ربطة الخبز أو بيعها بأسعار مضاعفة أو حتى بيع الخبز كمادة علفية أو تهريب الدقيق التمويني بالاستفادة من الفارق السعري الكبير بين ما يباع به كيس الدقيق التمويني والذي يصل إلى 936 ليرة سورية وبين أسعار السوق التي تصل إلى أضعاف هذا المبلغ بل أن الأمر يتعدى ذلك إلى الكثير من أشكال المخالفة والمتاجرة التي باتت بحاجة إلى المزيد من الضبط ضماناً لإيصال الدعم الذي تقدمه الدولة إلى مستحقيه ومنعاً لتمدد ظاهرة المتاجرة بلقمة عيش المواطن التي يجب أن تبقى خطاً أحمر قولاً وفعلاً.

نعمان أصلان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار