العدد: 9450
الأحد-20-10-2019
سألتني وهي تقدم لي القهوة الصباحية: ما الذي يشغل رأسك منذ الصباح . . أسئلة الصباح تنكش الرأس كأظافر دجاجة في كومة قمح . .
في الماضي كنت أشرب القهوة وأدخّن مع فنجان القهوة لفافة تبغ، الحمد لله أنني تركت التدخين منذ ثلاثين عاماً.
عندما أرى اليوم أحداً يدخّن، ينقبض قلبي وجعاً عليه، وأقول له في سري: (التبغ رصاص قاتل يخترق القلب والرأس).
***
قبل أن أشرب القهوة، أتنشق رائحتها، قلت: (سأحمل قهوتي إلى مكتبي)، جلست خلف طاولتي، أتأمل قلم الحبر وأنا أمسك به، منذ أيام الجامعة وأنا وهذا القلم رفقة وصداقة، خلال حياتي المديدة امتلكت أقلام حبر كثيرة ومن ماركات عديدة، هذا القلم من نوع (تروبن) ظلّ الأقرب إليّ ربما لأن زميلي في الجامعة (فيصل مرهج) هو من أهداني إياه، وربما لأنني ألفت الكتابة به.
في هذا الزمن هجر كثيرون الكتابة بقلم الحبر، واتجهوا إلى الكتابة على الحاسوب، عندما أكتب على الكومبيوتر أشعر أن حاجزاً يقوم بيني وبين مشاعري وكلماتي، ولا أقرأ فيها هذا النبض الذي يتناغم مع إيقاع الكلمات كما وأنا أكتب على الورق.
***
رحت أسكب همسي على أوراق صغيرة، لعل همسي يتفتح يوماً كرجع تلك الأغنيات القديمة التي كان يغنيها أخي عبد الله ثالث العنقود في أسرتنا، كان يغني في لحظاته الحزينة تلك الأغنية العراقية (عمي يا بياع الورد).
***
للذاكرة نوافذ وأبواب . . ورايات تتمايل عندما نفتحها كساق نرجسة هزتها الريح . .
تضيء أمامنا مساحات واسعة من حكايات العمر، وتتسلق رفوفاً تعرش على جدران أثقلتها السنوات والأحداث والذكريات والصور، وتعربش على حواف نوافذ تشابك عليها الظل والضوء والوجع والحب والفرح والحزن كقوس عريشة عنب تغتسل عناقيدها بضياء الشمس.
يسألني قلمي أو بالأحرى أتخيله يسألني وأنا أعتصر ذاكرتي على أوراقي:
(هل أنت مرتبك في حضرة الذاكرة؟!).
***
الكتابة من الذاكرة محفوفة بالقلق . . الذكرة لا تبتكر خيالاتها كما نفعل عندما نكتب شعراً أو رواية، كل شيء يتحرك على إيقاع الزمن مغموراً بالضوء والعتمة في آن كلوحة تراجيدية، كم هو قاس هذا المشهد الذي تتبلّل فيه أوراق الذاكرة بنزيف أعمارنا وهي ترتعش، أحياناً ببرودة كبرودة الثلج وأحياناً بسخونة الهجير، ويصير الجسد معها مرتعشاً ومأخوذاً بقسوة فواصل الزمن.
سليم عبود