وقـال البحــــــر… قبل أن يبرد الجرح

العـــــدد 9449

الخميس 17 تشرين الأول 2019

 

شهيدان وعدد من الإصابات حصيلة المواجهات الشجاعة مع نيران مجنونة
كم كان المشهد محزناً, وكم انحبست أنفاسنا ونحن نرى ألسنة اللهب تحيل خضرة غاباتنا وكروم زيتوننا إلى سواد فاحم, والمحزن حتى الفجيعة مشهد آلاف أشجار الزيتون دانية القطاف تحترق أمام عيون أصحابها.
قبل أيام كنّا في موسم قطاف الزيتون, وللموسم طقوسه الجميلة وذكرياته وحكاياته الدافئة, استحوذ حديث المطر الذي حبس لآلئ دمعه عنّا هذا الموسم على كل الأحاديث الكل تساءل بشوق عن أسباب انحباس المطر وغيابه عن موسم القطاف ما زاد من يباس الشجر وجفاف الثمر, إنه غضب الطبيعة الذي يأتي غالباً فوق القدرة على الاحتمال وبخاصة عندما تتكشف عن وجه عبوس، الغضب هذه المرة تعدى انحباس المطر إلى حرائق حملتها رياح شرقية جافة أتت على مساحات كبيرة من الغابات وكروم الزيتون وبددّت فرحنا بموسم القطاف.
بقدر ما كان غدر الطبيعة مؤلماً ومفاجئاً وصاعقاً كان الجهد الغيور برسم خطواته السريعة مواجهاً بجسارة ذلك الغضب محاولاً بكل الوسائل على تواضعها محاصرة النيران وتخفيف الأضرار في أكثر من أربعين موقعاً في اللاذقية ومثلها في طرطوس وحمص كلها اشتعلت دفعة واحدة وتوقيت واحد وفرضت مواجهة لا تحتمل التأخير ولا عبارات التسويف, وفي المواجهة ارتقى شهداء وأصيب آخرون وهؤلاء لم يكونوا شهداء فحسب بل كانوا القدوة والمثل لكل من آمن بوطن الاخضرار.
لم أستطع أن أخفي دمعي عندما بلغني خبر استشهاد رئيس شعبة الحرائق ذلك القائد الميداني الذي يمكن أن نسميه شهيد الواجب, كان دمعي عليه مزيجاً من فخر وألم ولسوف تبقى سيرته عابقة بالكبرياء والشجاعة على وجه تلك الذرى والتلال المحترقة.
الأخبار المتناقلة من مواقع الحرائق تؤكد أن الجهات المعنية بدأت بتبريد جبهة المواجهات الساخنة منعاً لاشتعالها ثانية, ونحن أيضاً بدأت جراحنا تبرد, وبالمناسبة الجرح عندما يبرد يصبح أشد إيلاماً منه عندما يكون نازفاً أو ملتهباً ففي هذه المرحلة تتكشف حقائق الأمور, وفي حالة كحالتنا فقد تكشف المشهد عن هول دمار أتى على مساحات كبيرة من ثروتنا الحراجية, وكروم الزيتون وأضرار في البنى التحتية من كهرباء وهاتف وغيرها ما يدعو لتساؤلات مريبة حول عدد الحرائق وتوقيتها وأسبابها ومن الحيف أن نلقي كل ذلك على غضب الطبيعة والانفجارات الشمسية والحقول المغناطيسية والكهرباء الساكنة وأختها المتحركة.

إبراهيم شعبان

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار