وقـال البحــــــر … أصابع الشيطان

العدد: 9430

 الأحد-22-9-2019

 

 

في هذه المرحلة التي تقف فيها دمشق على عتبات الانتصار، من الضروري قراءة تأثير تلك الثقافات المنغلقة التي عملت على صوغ السوريين وفق هوية منغلقة وإقصائية ترى في الوحدة الوطنية، والترابط الثقافي والفكري الذي تبنيه العروبة حالة معادية، ومن بين تلك الجهات المنغلقة والإقصائية (الوهابية) التي راحت تمد أصابعها بأساليب عديدة إلى المجتمعات العربية والإسلامية.
إن الوهابية صناعة بريطانية، أرادت توافق محمد بن عبد الوهاب وآل سعود وفق رؤية بريطانية كانت ولا تزال تمثل تحدياً عميقاً لمفهوم الأمة على المستويين العربي والإسلامي، وتمنح المشروع الصهيوني المناخ السياسي للتجذر والتوسع في المنطقة عبر تفكيك الثقافة الوطنية والقومية في العالم العربي وبخاصة في الدول المحيطة بفلسطين.
إن التحدي الذي مثلته الوهابية على مدى قرن ونيّف، شكّل أقوى المعابر السياسية والثقافية التي عبر منه الصهيونية إلى فلسطين، وعبر منه اتفاق سايكس بيكو الأول، وما يراد تمريره اليوم بتحويل منهج سايكس بيكو من اتفاق مّزق الجغرافية في الماضي إلى دول صغيرة ضعيفة متناحرة، إلى اتفاق يتخطى الجغرافية بتمزيق البلدان العربية إلى دويلات على مقاسات طائفية ومذهبية وعرقية تظل في حالة تناحرية دائمة تجعل من إسرائيل الحليف لكل منها كما هو الحال اليوم مع الحركات الانفصالية التي قامت في بلدان عربية ومنها الحالة الانفصالية في العراق والمحاولة القائمة في الشمال السوري.
إن المنتج الذي حققته الوهابية تجاوز جغرافية (نجد والجزيرة العربية) إلى صناعة منتج مذهبي تكفيري يتوسع في اتجاهات عديدة عبر مدارس ومعاهد وجامعات ومراكز دينية امتدت أصابعها باتجاه العالم كله لنشر الوهابية ولدفع المنتمين إلى هذه الحركة إلى تمرير النظام السعودي، وتقديمه حامياً للإسلام والمسلمين ليس في أوساط المجموعات الإسلامية وحسب وإنما إلى المحافل السياسية على النمط الذي تعمل فيه الصهيونية في العالم من أجل فكرة الكيان والعودة.
لقد حولت الوهابية الثقافة السياسية والاجتماعية والدينية إلى بضاعة منظمة تستهدف العرب والمسلمين وعلى مستوى العالم وتقدم نفسها على أنها حركة تهدف إلى خلق تقارب إسلامي مسيحي يهودي على الرغم من طابعها المذهبي التكفيري الضيّق جداً.
إن سعي النظام السعودي عبر إنفاق مليارات الدولارات على شراء الكتاب والمثقفين ووسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة، وعلى إقامة المئات من محطات التلفزة الطائفية والمذهبية التي تعمل على التكفير والتمزيق الثقافي والديني، كل ذلك يقدم هذا النظام الوهابي كنظام منافق في علاقته مع الإسلام والمسلمين ومع غير المسلمين في العالم، فمن تكن له تلك الدائرة الضيقة جداً من التفكير المذهبي لا يمكن أن تكون لديه دائرة إنسانية واسعة.

سليم عبود

تصفح المزيد..
آخر الأخبار