العـــــدد 9419
الخميــــــس 5 أيلــــول 2019
في مســـــيري الصباحي إلى مكتبي ثمة فراشات ترفّ على الطريق، ترخي ضفائرها الملونة مع كلّ خطوة قمصانها زاهية، وكذلك ابتسامتها، فراشات رائعة، صافية، وساحرة تعبر الطريق أمامي في الاتجاهات كلها لتصل إلى مدارسها وتنتظم على مقاعدها، الباحات عادت تنبض من جديد، والمدارس استعادت أنشودة الحياة والصخب المحبب.
أصوات ناعمة طفولية يسمعها العابرون تنشرح لها الصدور، وترقّ لسماعها القلوب، تبعث في النفوس شعوراً عنيداً بأنّ الغد لنا لأننا نبنيه على جسر من التعب والمثابرة رغم ما في الدروب من أشواك مدببة.
كم هو الصباح مشرق على تلك الوجوه الطرية، ملأني إحساس قويّ أن بلدنا تسير إلى غدها رغم المستحيل، وإن دورة الحياة انتظمت رغم أنف من أراد أن يسدّ أبواب العلم ومنابر المعرفة.
عادت بي الذاكرة إلى الوراء كثيراً، يوم كنا في مطلع العمر تضمّنا مدرسة تغصّ بالأحلام والأمنيات، تعلمنا فيها على يد معلمين حقيقيين وطلاب سبقونا على مدارج الحياة والمعرفة مع كل أبناء الجيل أنصرنا في حالة من الجد والعمل، رغم أن الحياة كانت ضنينة، مددنا جسور الأمل باتجاه المستقبل، عبرنا على إيقاع أحلام كبيرة تحقق بعضها وانكسر بعضها الآخر، في كل يوم يمرّ كانت الإنجازات تتوهج ترسمها الأيدي الحانية والعقول المبدعة، وكان هذا من أجل سورية ومستقبلها، ومن أجل أن يكون لنا وزن في مصير العالم، من أجل سورية لم تتوقف ورشة العمل الوطني، وكانت بحق فعل إرادة ومواجهة ومن أجل سورية كانت التضحيات الجسام.
طلابنا الذين انتظموا على مقاعد دراستهم وتجاوز عددهم هذا العام أربعة ملايين حسب التصريحات الرسمية يجددون في نفوسنا الأمل وهم بهذا المشهد إنما يبعثون رسالة للعالم تقول: إن سورية أشد عزماً على مواجهة ثقافة الموت بثقافة الحياة والبناء وأن فيها ما يغري بالكثير من الأمل الواعد.
في الطريق أيضاً ثمّة أمهات يسكبن عيونهنّ بعيون أبنائهن وقلوبهن في قلوبهم يمسكن بأيديهم، يودعنهم بالقبل والصلوات على أبواب المدارس وينصرفن إلى أعمالهنّ في مشهد يدفع من يراه للصراخ في وجه أعداء الحياة ممن حاولوا سرقة بسمة الطفولة وإغلاق دروب المستقبل بأكوام من الأشواك والأفكار السود.
إبراهيم شعبان