العـــــدد 9414
الأربعـــــــــــاء 28 آب 2019
شغلت الحضارة ومتطلباتها وزخرف الحياة وتسارعها والرفاهية ومستلزماتها تفكير معظم البشر في كيفية تحسين مستوى معيشتهم، ومضاعفة المكاسب المادية لتأمين كل وسائل الراحة والعيش الكريم لهم، وبالرغم من كون سن الأربعين هو زهرة عمر الإنسان، ومرحلة بلوغ القمة فعلاً، والرقم السحري في حياة كل الخليقة، إلا أنه أول مواجهة جادة وحقيقية تكون للناس مع أزمة بداية الأربعين، فهي بالنسبة للبعض مناسبة للتجديد، وتفجير الطاقات الكامنة، وتمثّل للبعض الآخر إفلاسهم في الحياة.
في المرحلة الأربعينية تتفاوت النظرة إلى المستقبل والمصير وأسرار الحياة، وذلك بفعل الاختلاف في تصورات الوجود، ويخشى المرء من تراجع أدائه على جميع الصعد، ويسأل نفسه: هل أحرز نجاحاً مميزاً على الصعيد المهني والعائلي وحتى على صعيد تحقيق الذات، فمعظم الأشخاص يعرفون بحق مدى مواهبهم وقدراتهم الذاتية، ولكن مقياس ذلك النجاح والفشل لا يتعلق بمجال العمل وحده، بل يشمل جوانب حياة الشخص كلها، فتأتي المحصلة العامة لجردة الحساب إما سلبية محبطة أو إيجابية مشجعة، وقد يتولد في هذه المرحلة الإحساس بالخيبة جراء المرور الزمني لسنوات العمر ورتابة الحياة اليومية، وخاصة مع الشعور باقتراب مرحلة الشيخوخة مما يؤدي إلى الاكتئاب، ولكنه يثير عند البعض رغبة عارمة في الخلق والإبداع كنوع من التعويض ليمنحوا حياتهم معنى مميزاً وطابعاً مختلفاً.
تطرأ في مرحلة الأربعينات من العمر تغيرات هامة وانقلابات كبيرة في حياة المرء كالتغير في أسلوب ونمط العيش والطلاق والزواج الجديد وازدياد القدرات الإنتاجية والإبداعية والارتقاء في السلم الاجتماعي، ويصبح الفرد محباً بطريقة أحلى وصامداً بشكل أقوى وضاحكاً بصوت أعلى، وهذه التغيرات هي من بين الأمور الأكثر بروزاً في عموم مجرى الحياة الشخصية، علماً أن هناك أموراً أخرى أكثر دقة وخفاء ولكنها لا تقل عنها أهمية.
يتمنى ابن الأربعين لو يستطيع التغيير على صعيد علاقته بذاته وبالعام الخارجي أيضاً، وتبدو أزمة الأربعين بمثابة الفرصة الأخيرة لحل التناقضات داخل الذات ولهذا يتوجب على المرء مواجهة هذه المرحلة بما يلي:
* تجاوز النماذج المثالية لمفهومي الشباب والشيخوخة.
* التوفيق بين نزعة العدائية حيال الآخرين وبين الميل إلى الذوبان التام فيهم.
* توفير وقت كاف للحرية والراحة الشخصية.
* تجاوز الصراع القائم بين الرغبة الدائمة في الإنتاج وبين الميل إلى الراحة.
*التحول عن مبدأ المنافسة والتناحر في سبيل السيطرة على العالم الخارجي وإعطاء الأولوية للحياة الخاصة والداخلية واعتماد مبدأ التوازن في الحياة.
يختلف التعامل مع مرحلة الأربعين من شخص إلى آخر فالبعض يُظهرون ثباتاً ورصانة خلال هذه المرحلة فلا تظهر آثارها في مراحل لاحقة وقد لا تظهر أبداً، وأما بالنسبة للبعض الآخر فتمثل مرحلة الأربعين انعطافاً هادئاً وهاماً فيمثل هذا الفصل من حياتهم مرحلة كفاح وشقاء وصراعات محتدمة ويتسلل اليأس والإحباط إلى النفس من خلال كآبة الحاضر والحنين إلى الماضي.
و أما بالنسبة للمرأة في سن الأربعين فإنها تُعيد اكتشاف بعض الجوانب المنسية والمكبوتة في شخصيتها وتراه الوقت المناسب لتكون أكثر صراحة وانفتاحاً على الناس، وتكون قادرة على اتخاذ قرارات أفضل لصحتها مع التقدم في العمر مثل اتباع نظام غذائي صحي، وقد تستأنف جزءاً من نشاطها العملي والوظيفي والاجتماعي فيزداد وقتها احتكاكها بالعالم الخارجي المحيط بها.
د. بشار عيسى