العـــــدد 9409
21 آب 2019
لا يعتبر الزواج مجرد اجتماع شخصين أو التقاء شريكين لكل منهما خصائصه وميوله وطباعه المختلفة عن الآخر، بل هو إنتاج مؤسسة مميزة تتفاعل وتنمو تبعاً لتنظيمها الداخلي وأساسها المبني على مقارعة كل صعوبات وتحديات ومشاكل الحياة بثقة وحكمة و ثبات.
يعتمد موضوع الزواج على مجموعة مقومات إنسانية واجتماعية يشترط توافرها بشكل خاص في الزوجين، وهي تهدف إلى إنجاح الزواج واستمرارية هذه العلاقة بالمودة والرحمة والألفة والإيثار.
إن حالة التكافؤ بين الزوجين تشكل التوازن الطبيعي في العلاقة القائمة بينهما وتحفظ الكيان الزوجي من الانهيار، والتكافؤ يبحث في مواضيع هامة من شأنها إلغاء جميع الفوارق والاعتبارات بين الزوجين ولا سيما النظرة الدونية للرجل أو المرأة وفي أغلب الأبعاد الأخلاقية والمادية، وهناك بعض المواصفات في موضوع التكافؤ لا يعتبرها البعض مانعاً في الزواج ولكن لها تأثير سلبي واضح وعميق على علاقة الزوجين ومنها أن يكون الزوج فقيراً والزوجة غنية أو أن يكون الزوج أمياً والزوجة متعلمة أو أن يكون الزوج عاطلاً عن العمل والزوجة ذات وظيفة ومهنة.
تتطلب حالة التفاهم والتآلف بين الزوجين توفر عدة أمور جوهرية وهامة يتلخص أبرزها فيما يلي:
* المعاملة الحسنة: في مسيرة الحياة الصعبة والمضنية يحتاج الإنسان إلى رفيق يؤنسه وإلى شريك يشاطره ويسكن إليه ويؤازره، ولاستمرار هذه العلاقات يجب أن تكون المعاملة بين الطرفين بالحسنى ووفق الأخلاق الحميدة فكما يقال بحسن العشرة تدوم المحبة، والمعاملة الحسنة يجب أن يكون أساسها الحب الصادق والمتبادل لأنه يقوي رباط الزوجية ويدعم كيان الأسرة ويبعد الزوجين عن سوء الظن.
* التنازل: إذا كان التنازل في العلاقات الاجتماعية العامة أمر حسن فهو في علاقة الزواج أفضل، ذلك أن التنازل يتطلب من الإنسان أن يتخلى عن ذاتياته وهذا ليس بالأمر السهل الحدوث بين الناس فكل إنسان يتمسك بموقفه ورأيه وتبقى حالة التوازن في القوى مرتبطة بمعيار الأصلب والأقوى، وأما في العلاقة الزوجية الذي يكون فيها معيار القوى غالباً ما يميل لصالح الرجل فقيمة التنازل تبدو وتظهر جلياً، وبالطبع قد يولد التنازل الشعور بالإخفاق أو ضعف الفهم الحياتي والوعي الكامل لحرمة الكيان الزوجي وعليه فالفرد المتنازل في سبيل الحفاظ على استمرارية الزواج هو الفرد القوي العاقل، ويجب على الزوجين ألا يدققا في القضايا الهامشية وألا يجعلا نقاط الاختلاف تؤدي في النهاية إلى انقطاع علاقتهما القوية فالحياة الزوجية مدّ وجزر من سعادة وشقاء و رخاء وعناء وفرح واستياء، ولذا فمن الضرورة أن يكون التنازل متبادلاً لأنه التمهيد المنطقي لحل أي مشكلة ومنع كارثة انهيار ودمار الكيان الزوجي وذلك حتى تسير قاطرة الحياة بأمان وتوازن ويجب ألا يكون هناك أي مكان للتعنت الذي يؤدي إلى تحطيم العلاقات الزوجية وينسف بنيانها من أساسه.
* المرونة: تنشأ عموماً المشاكل الكبرى في الزواج من أمور صغيرة وبسيطة تتجمع فوق بعضها لتشكل جبالاً من المنغصات والهموم ولذلك فالمرونة في التعامل مربح كبير لديمومة العلاقة الزوجية فهي تحول المواقف المؤلمة والمحرجة إلى مواقف سهلة الامتصاص، والمرونة بمعناها الواسع تعني القدرة على تحقيق الأهداف بشتى الطرق والأساليب المختلفة وهذه الصفة يجب أن يتحلى بها الزوج بصفة خاصة، ولا تحتم المرونة في التعامل على الزوج أن يستجيب لكل شيء وإنما تجعله قادراً على إدارة الدفة في تغيير المواضيع بوعد غير محدد أو ابتسامة محبة ورضا دون الرد بجدية حادة أو نقد لاذع، كما أن مرونة الزوجة في القول والفعل سيمكنها من إيجاد مبررات لكل مواقف زوجها الخاطئة.
إن التماس الأعذار وعدم التدقيق المزعج في كل شيء يحافظ على إدامة أي علاقة بين الناس وخصوصاً العلاقة الزوجية، وعلى الرغم من التراجع الاقتصادي والضغط المعيشي والتفكك الأسري فإن الحفاظ على البعد الأخلاقي سيساهم في نجاح خلق تماسك زوجي وعائلي واجتماعي في كل الأوساط وعموم الشرائح.
د. بشار عيسى