العـــــدد 9397
الاثنين 29 تموز 2019
دوّن بعض الكتّاب سيرة ذاتية، وبعضهم تجنّب ذلك.
والسيرة الذاتية تتطلب من الإنسان أن يكون شفافاً وينأى عن المراوغة ويبدي ما في نفسه ويظهره بصدق وإخلاص كما تتطلب السيرة الذاتية أن يكون الكاتب متحلّياً بالجرأة والشجاعة وأن يكون واضحاً في كتابته دون التواء.
هناك أسباب لعدم قول الصدق وتجنّب الصراحة منها الخوف من المجتمع أو السلطة، أو خشية انتهاك الأعراف والتقاليد ، فيتجنّب كاتب السيرة الخوض في أمور محرجة تجعله عرضةً وهدفاً للانتقاد مما يُلحق به العيب والأذى والفضيحة لذلك لا يقول كل الحقائق ويتجنّب الإحراج.
ونرى الكتّاب في الغرب أكثر جرأة في التعبير عن حياتهم وتسجيل الأحداث لأن بيئتهم تتقبّل ذلك وقد كتب بعض الأدباء والمفكرين سيرهم الذاتية مثل طه حسين وميخائيل نعيمة وعبد المعين الملوحي عندنا.
وقد قرأت أخيراً «كتاب عصارة الأيام» للكاتب العالمي الشهير سمرست موم، وهو من ترجمة الكاتب والناقد المعروف الدكتور حسام الخطيب فلانٌ عصر الشيء أي استخرج ما فيه فكأن السيرة الذاتية للإنسان استخراج ما في حياة كاتبها من أحداث ومواقف وكأنها استخراج ما خفي عن الناس من تصوير بيئته ومراحل نموه والعوامل التي كوّنت شخصيته وجعلته على ما هو عليه.
شدّني وجذبني إلى الكتاب مقدمة الدكتور الخطيب فهو يتحدث عن المؤلف سمرست موم «لم تكن حياته مجرّد حياة أديب محترف» وكفى، فقد تبنى الارتياب والشك وعدم التأكد من خلال تجربته الغنية في الحياة والمجتمع وعدم التأكد أفاده كثيراً إذْ جعله دائم الحرص على تفحّص الأشياء بعين الناقد المتشكّك في غير تزمّت وأجمل ما في الكتاب صراحته البسيطة غير المتكلّفة والدعامة الأولى للكتابة الناجحة هي الوضوح، والدعامة الثانية هي البساطة يقول المؤلف: «إنني وُصفت بأنني متشكّك، واتّهمت بأنني أجعل الناس أسوأ مما هم، ولا أظني فعلت ذلك كل ما عملته هو أنني أبرزت خصائص إنسانية معينة اعتاد الكتاب أن يشيحوا بأبصارهم عنها».
وتحدث المؤلف عن المعاناة والانحطاط، فإن المعاناة لم تسم بالمرء بل انحطت به وجعلت الناس أنانيين دنيئين وضيعين مرتابين. كنت أتمنى أن أقدّم في هذه الزاوية قطرات من عصارة الأيام لهذا الكاتب العالمي وقد احتسيت أنا قطرات من تجارب المؤلف وسيرة حياته. ولكن الزميل رئيس التحرير يحبّ التقيّد بالمساحة المخصصة للزاوية وهو على حق في ذلك.
عزيز نصّار