العدد: 9396
الأحد-28-7-2019
الأولاد يبكون لرؤية الشاطئ، ويتدحرج دولاب الهواء بين أصابع طفلتي، وعندما تعثرت بساق خيمة نصبت على الرمل كان بينها وبين الموجة متر واحد فقط، بكت طفلتي، ومدت أصابعها لعلها تصل أصابعها إلى الماء، ولكنها لم تستطع، سألتني: أليس هو شاطئ البحر؟
أعرف البحر واسعاً، وأعرف أن أمواجه تتحرك بحرية لتنسكب على الرمل، لكن الموجة لم تعد تتدحرج على الرمل، ثمة أقدام خيم نصبت على الشاطئ، أغلقت أمام طفلتي وجه البحر، وحجبت عن الجبل البعيد رؤية الماء المالح، وأغلقت في وجه الموجة تقبيل الرمل، وبكت شجرة البرتقال بسخاء أمام فلاح حلم طوال النهار أن يغتسل بالماء المالح.
حكاية البحر في كل يوم تصير حكاية محزنة.. أيها البحر، كن للفقراء، أنت صديقهم، لهم شاطئك، ولغيرهم عمقك . .
أصبحت شواطئك متنزهات للذين يملكون المال، ولو كان المال زهيداً كأجر للوصول إلى البحر، بات الوصول صعباً إليك، يقولون: الجمل بفرنك ولا نملك فرنكاً فهو غال.
من أعطى لهم الحق في نصب الخيام . . ماضياً، كان البحر للأطفال، والأغاني والصبايا، وللفرح . .
كبر الأولاد، وكبرت الصبايا، لكن البحر فقد رمله، ثمة من سرق الرمل، وثمة من أقام الخيام على الرمل، وثمة من امتلك نوافذ على والموج والبحر الواسع.
البارحة ذهبت إلى البحر . . حقي القانوني والإنساني والوطني أن أسبح كما كنت أفعل قبل ثلاثين عاماً، وقبل أربعين عاماً، حتى قبل أن تشتعل الحرب على الوطن، بصراحة لم أجد البحر، كان يختفي خلف خيم تتشابه، الخيمة إلى جوار الخيمة، صف طويل من الخيام كغيوم تحجب وجه الأفق، وثمة كراس وطاولات، لا تبتعد عن الماء إلا بضع خطوات.
المسؤول على التلفاز: فتحنا البحر للسباحة الشعبية.
في بلادنا فئتان: شعبية، وفوق الشعبية.
لم أجد مسابح شعبية، كان عليّ أن أمر بالخيم لأدفع المعلوم لصاحب خيمة ليمنحني كرسياً وطاولة ونافذة أطل منها على البحر، وطريقاً إلى الماء إن أحببت السباحة.
سليم عبود