وقـال البحــــــر… حياة البراءة

العـــــدد 9389

 17 تموز 2019

 

 

على الرغم من أننا نبدأ حياتنا جميعاً أطفالاً، إلا أننا ننسى كآباء في زحام ومتاهات هذه الحياة احتياجات أطفالنا من الحنان والحب والرعاية، فأي كلمة دافئة تشع حناناً أو معرفةً أو سلوكاً بسيطاً قد يحفر في عميق وجدان هذا الطفل أو ذاك مجرىً عميقاً يترقرق بين جنبيه مدى الحياة.
يحتاج الطفل لقدر أكبر من الحب والأمان بعد العام الأول، فيزداد اعتماده على أهله ويلح في طلب وجودهم معه دائماً، فلقد تعلم أموراً ورأى أشياء لم يطلع عليها من قبل، وهو يعاني أحياناً من بعض الأحلام المزعجة ويداهمه شعور غامض بالخوف من عدة أشياء بسيطة لم يألفها من قبل مثل السيارات والحيوانات والضجيج، فيتوقع أن يحميه أهله من كل هذه الأمور.
يزداد احتياج الطفل للحب والأمان عندما ينتابه المرض أو التعب أو الألم نتيجة سقوطه مثلاً أو في أثناء مرحلة بزوغ أسنانه، ويحتاج دائماً لتأكيد هذا الحب من أهله إذ يريد أن يشعر بكونه مرغوباً فيه، وأن له كياناً مميزاً ومكاناً محدداً في المنزل كأي شخص آخر من أفراد الأسرة.
يستطيع الأطفال تفسير وتقدير معالم الحب من ملامح الوجه ونبرة الصوت ورقّة التعامل والمثابرة في فهمهم ومن أسلوب الأهل في محادثتهم، وكلما أمعن الأهل في اللجوء إلى أساليب القهر والضغط والعنف وبرود الملامح بغية الحصول على طاعة الطفل، أدى ذلك إلى سيطرة القلق والتوتر وسيادة السلبية والإنكار والتعاسة وعدم الأمان على شامل سلوك الطفل ونفسيته.
من المعروف جلياً أنه كلما حرصنا على إعطاء الطفل مزيداً من الشجاعة والثقة والعطف، وكلما سمونا به إلى مستوى سلوكي أعلى، وأرسينا لديه القدرة الحقيقية على الاختيار الحر والاستقلال بدلاً من إحباطه والهبوط الشديد بمعنوياته ازدادت بالتبعية استجابته الملحوظة لنا.
هناك فارق كبير جداً بين الشعور بالحب تجاه الطفل وبين طريقة التعبير عنه، وتضطرب سلوكيات الطفل إلى حد خطير وفقاً للأحداث المنزلية مثل الاحتكاك الدائم والفراق وقصص انفصال الأهل، وهنا ينشأ الأطفال على مشاعر من التوتر والحزن والشعور المروع بالذنب، وتزيد الأم هنا الأمر سوءاً عندما تحاول تشويه صورة الأب في أذهان أطفالها، وتظهر تأثيرات هذه الأفعال على سلوك الأطفال، وتنعكس على نفسياتهم بصورة أعراض اجتماعية مرضية، ويجدر الذكر بأن الطفل يتأثر بشكل مباشر بانتقاله من مكان إلى آخر أو فراق أهله، كما يتأثر شعور الطفل بشكل بالغ عند ولادة طفل آخر وذلك لإحساسه بأن أمه قد بدأت تنصرف عنه لرعاية أخيه الأصغر، وتعتمل بداخله عوامل الغيرة لخوفه من فقدان الحب القديم الذي كان والداه يغمرانه به.
يتوجب على الأهل ألا يسرفوا في توجيه اللوم والانتقاد إلى أطفالهم، لأن كل ذلك من شأنه إضعاف شخصياتهم وعدم إقبالهم على الحياة وشعورهم بالألم العميق والمرارة، ويؤدي إلى اضطرابات سلوكية بالغة هم في غنى عنها، وعلى الأبوين أن يعرفا أن طفلهما كيان زاخر بالمشاعر، وأن أي محاولة لتجريح الطفل حتى وإن جاءت بصورة عفوية فسوف يكون لها أثرها الفادح في اضطرابه فيما بعد.
من المعروف أن أكبر الأخطاء هي المقارنات بين الإخوة الأطفال، لأن ذلك من شأنه أن يدمر أواصر الحب والألفة بينهم، ويشعل في نفوسهم لهيب الغيرة الهدامة والتي تنعكس بصورة غير مرغوب فيها على كل تطوراتهم السلوكية، ويجتاحهم شعور دائم بالخطر وعدم الاستقرار.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار