الوحدة : 14-5-2024
لطالما ترددت جملة، بشّر التين أو بشر العنب لوّح للدلالة على ابتداء استوائه ونضوج أولى ثماره…. وعندها ما إن يتناول واحدهم أول ثمرة لأول مرة في العام حتى يقول: أي والله، السنة مباركة والعمر جديد وذلك من قبيل التفاؤل والشكر… بهذه الكلمات تحدث المؤلف حيدر نعيسة في كتابه، كان في قرانا عن موضوع البشارة والبشائر: إن البشارة هي خبرٌ يبعث على الفرح، خبرٌ عن شيء لم يكن حدوثه محسوباً.
أما البشائر فهي أوائل الأشياء كتباشير الصبح والربح والزرع والفاكهة وبشائر الفصول من طير ونبات وأحوال زراعية ومناخية. وعن الحياة في القرية أردف قائلاً: إن الحياة في القرية هبة المطر. فلا أحد يقدر ثمن أول قطرة مبشرة كما يقدرها الفلاح المتضرع لله، لتسقي السماء ويستبرد الغيم ويستعجل الريح في تلك القرية البعلية حيث الجذور والحلوق تنتظر إرسال الغيم الممطر لها.. حتى تداخل معنى المطر مع معنى الرحمة واتخذا لباساً وجسداً واحداً… أما البشير الذي أبلغ البشرى فإنه رسول الفرح والساعي به، ولذا فله أجر مستحق على من بشّره دين يدفع معجّلاً أو مؤجّلاً، أجر قد يكون نقدياً أو عينياً بمثابة هدية أو مقابل الجهد المبذول.. وهو أمر متعارف عليه لا يجحده إلا الجاحد، فيؤديه الغني والفقير والرجل والمرأة كل قدر طاقته وبحسب وقع الخبر السعيد عليه فقد تكون الهدية أرضاً أو جدياً أو خروفاً أو محلاً وقد تكون نقوداً وإذا لم يكن المبلغ لائقاً مناسباً للبشارة يمكن أن يؤجل دفعها إلى حين المقدرة وعندها يقال: إن بشارتك غالية لا أقدر أن أعطيها فيدهذا الوقت. كما يمكن أن تكون أيضاً بيضاً أو طعاماً أو حلوى أو سكاكر مما يتوافر في دكاكين القرية، وختم المؤلف حديثه عن هذا الموضوع بالقول: من أولى علامات البشائر أن ينبسط وجه الفلاح وينطق ويبين البياض الذي أخفته تجاعيد الجبهة، وتتغضن خدوده بضحكته وكلماته المناسبات للفرح رغم التعب والانتظار مع نشوة تجتاحه روحاً وجسداً، فرح قد يخفيه وقاره وكبره فيعتمل في داخله وقد لا تظهر مظاهره أو تتحول الضحكات إلى ابتسامات. والتبشير له وقع عظيم عند الفلاح كالتبشير بالأرض أو الدواجن وبأن الموسم وفير قد أقبل بعدما أمحل السنة الفائتة كما زادت أكياس الحنطة والحبوب مما قبل أو أن المياه قد تفجّرت في البئر وفاضت أو ربح أو نجاح أو زيادة في رزق حتى ولو كان بيضة دجاجة! أو حصول خير ونفع مع سلامة من الغيرة والحسد.
ندى كمال سلوم