الوحدة : 14-5-2024
بمصادقة المؤسسات الثقافية الرسمية في إيران تمت إضافة عنوان تكريم اللغة الفارسية إلى يوم تكريم الحكيم ( أبو القاسم الفردوسي) في التقويم الرسمي للبلاد، والذي يصادف الخامس عشر من أيار من كل عام.
وقد اقترن احتفاء الإيرانيين بلغتهم مع يوم ذكرى تكريم هذا الشاعر العظيم الذي شغف بوطنه وبلغته باعتباره خير رسولٍ لحضارة بلاده في كافة أصقاع العالم. فهو هوميروس الشرق الذي أبدع أسطورة التاريخ الفارسي الكبرى “الشاهنامة”، والذي ترك إرثاً لا مثيل له لكل الأجيال من بعده، حيث استحقّ لقب حارس اللغة و حافظ إرثها و المدافع الأول عنها أمام غزو الثقافات على امتدادها و على اختلافها.
لقد كانت اللغة الفارسية و لا زالت تمثل أهم روافد الحضارة الإسلامية منذ بزوغ فجرها على مر العصور، إذ إن تعرفنا على اللغة الفارسية يزيدنا معرفة بحضارتنا و بأنفسنا كما يقوي حس انتمائنا إلى هذه الحضارة، فضلاً عن ضرورة حالية أخرى تدفعنا لتعلم هذه اللغة فإيران بلد مجاور جغرافياً يجمعنا به العقيدة و الأهداف المشتركة و الرؤى السامية.
و اللغة الفارسية هي إحدى اللغات الهندو أوروبية، و قد مرَّت بثلاثة مراحل و هي : الفارسية القديمة، والفارسية الوسطى، والفارسية الحديثة.
ولا يجد العربي أي صعوبة في تعلم اللغة الفارسية لأنها سهلة جداً بالنسبة إليه، فهو بالأصل يحفظ40% من مفرداتها قبل أن يطلع على معاجمها و قواميسها، خصوصاً و أنها أي اللغة الفارسية قد استعارت الحروف العربية جميعها و حتى الحركات الإعرابية,،فضلاً عن التطابق الكبير في القواعد و معاني المفردات, مما جعل بعض أساتذة اللغة من العرب يطلقون عليها (الأخت الصغرى للعربية).
دوّن في هذه اللغة أدب وتراث ضخم ، إذ كتبت باللغة الفارسية دواوين لازالت تؤثر في وجدان العالم حتى يومنا هذا، ككتاب المثنوي لجلال الدين الرومي و غزليات حافظ الشيرازي الرقيقة ، وأشعار سعدي الشيرازي وحكمته الإنسانية ومنطق الطير لفريد الدين العطار, و رباعيات الخيام, و الشاهنامة للفردوسي.
وفي بحث نشرته مجلة كالتشر العالمية حول أقدم لغات العالم احتلت اللغة الفارسية المرتبة الثالثة. إذ تُعرف هذه اللغة بأنها اللغة الكلاسيكية الثانية في العالم بعد اليونانية ، و هي واحدة من أكثر اللغات وفرة و غنى بالمفردات .
إذ يمكن تركيب 225 مليون كلمة فيها، وهذا أمر نادر وفريد من نوعه بين اللغات العالمية، وتظهر الاستطلاعات أن خمسة من أفضل عشرة شعراء في العالم هم من الفرس.
كما أنها اللغة العلمية السابعة عشرة عالمياً، وقد صنفت أيضاً اللغة الثالثة عشرة من بين اللغات المستخدمة في مواقع التواصل ، ووفقًا للعديد من كبار علماء اللغة، فإن اللغة الفارسية هي من أجمل لغات العالم و أعذبها.
لذلك حري بنا تقدير اللغة الفارسية من خلال تعلمها و إتقانها والاعتزاز بها لخلق علاقات تفاعليّة صادقة، راسخة، عابرة للأجيال والحدود. ومن هذا المنطلق، تفاعل العرب والإيرانيين على مرّ العصور، أفضى تلاحماً فكرياً وحواراً ثقافيّاً متميّزاً : فلسفة وديناً وأدباً ولغة؛ الأمر الذي تمخّضت عنه حضارة رائدة، رفدَت البشريّة بكل عوامل الرقيّ والتطوّر والتقدّم، في مجالات الحياة المختلفة.
د.رنا جوني