الوحدة 11-5-2024
هو الحب إذاً… وها هي ليلى تملأ كل مساحة من أوراق صديقنا الشاعر ودفاتره، وها هي حواؤه التي أغوت….. تنجح من جديد والتفاحة التي أغرت ذات يوم بعيد تظفر ويكتمل من جديد.. موعدهما مع شاعرنا ليعمرا وإياه كوناً جديداً..
هذا الكون صورته وأبدعته ريشة الشاعر في باكورة أعماله
المنشورة التي حملت عنوان: (ديوان الحب) وفي هذه المجموعة التي تزيد على المائة صفحة بقليل وتحمل ما يزيد على الستين قصيدة بعضها يحمل تاريخ إبداعها، وأكثر القصائد مهملة التاريخ حيث امتدت فترة إنجاز هذا العمل ما يقارب العقدين من الزمن، وهذا ما يفسر مستوى التفاوت بين قصيدة وأخرى حيث يتضح غنى التجربة الشعورية وتطورها ضمن المجموعة الواحدة.
وفي (ديوان الحب) الذي بين أيدينا يغرق الشاعر في الحب ويعيشه بكل تفاصيله، يبدأ عذرياً يحمل في جوانبه روح قيس بن الملوح المعذبة وصورة ليلى المستعصية إلا على الحلم في معظم قصائد الديوان، فتتعاطف مع كل دمعة يسكبها وكل حسرة يطلقها وكل أنة يخفق لها قلبه كما هو الحال في قصيدته (على
باب السماء):
أين ليلى؟.. أين قلبي؟ أين أحلامي و حبي؟
أين حسناء رسومي… فوق أوراقي و هدبي؟
إلى أن يصل إلى البيت الذي يقول:
آه يا ليلى تعالي.. واسكبي روحي وعبّي..
نعم إنه الحب السامي والإحساس النقي والمشاعر الطيبة، فهو يكاد ينسلخ عن الواقع وينفصل عن جسده، بل إنه يذوب تماماً روحاً وجسداً لتسكبه حبيبته وتعبئه حباً نقياً خالصاً، بعيداً عن مفاتن الجسد واللذة، حتى أنه في بعض القصائد والمقاطع والأبيات
يصل في روحانيته حد التصوّف ففي قصيدة شتاء:
ويصلي قلبي ليسمع أحلى..
ما يقول الرحمن في عينيك..
وفي قصيدة ( اضحكي لي) يبلغ الحب أعلى قداسة ممكنة
عندما يقول:
من شذاها ومن حنان يديها…
خلق الله جنة وظلالا..
إنه الحب الحقيقي الحالم الذي نكاد نفتقده، لكن الأمر لا يطول بصاحبنا كثيراً، فها هو يخرج من عباءة قيس بن الملوح وجميل وكثير.. ليدخل مدرسة عمر بن أبي ربيعة ونزار قباني وينغمس بمفاتن المرأة كما في قصيدته (زهرة الشمس):
ولعينيه بريقٌ خاطف ٌ ..
يشعل الرغبة في جسم الحطب..
كم تمنيته أن يحضنني…
يفعل الأشياء فوراً فجأة..
يأخذ الحاجات من دون طلب..
ومن قصيدة (شرود) نأخذ هذا المقطع:
لاطفتها…
أسكرت خديها وروداً بالقبل…
وسهرت أجذب ثوبها…
وأفك أزرار الخجل ….
وأظن من حدبي عليها…
صرت أحدب كالجمل …
في مثل هذي يا فتى…
لا بأس أن يقضى الأجل…..
إذاً هو شاعرنا تارة يحمل لسان قيس بوحاً وحباً نقياً يملأ كل مسامات روحه. وحيناً يحمل مغامرات ومجون عمر بن أبي ربيعة ونزار وامرئ القيس بكل اندفاعاتهم، وتارة هو أبو الوفاء أحمد.
عندما يقول في قصيدته الجميلة (حيرة):
على شباكه سكب الأغاني…
فساحت في المساء نشيد خمر..
أحبيني فمثلي عاش حباً..
و إني من يحب و ليس غيري..
أنا لعيونك الأحلى رهين..
لأكتب أسطري الأغلى و شعري..
إلى أن يصل:
أنا لعيون فاتنتي ربيعي..
شبابي كل آثامي وطهري..
إذا لقد تشبعت تجربته الشعرية من مدرستين عظيمتين، شرب من هذه وتلك، واختار طريقاً آخر يشبهه..
نرجو أن يحمل المستقبل ملامح تجربته إبداعاً له: لون وطعم وبصمة في كل منها عبقه الخاص الذي بدأ يتضح من خلال قصائده الأخيرة كما في قصيدة (القتل العمد):
جمالك لا يُحدّ ولا يُعد..
وسهمك لا يخيب ولا يُصد..
كأنك في الهوى موت ينادي…
فليس له من الأبطال ند…
وباسمة فتجذب كل شيء…
لبسمتها وحتى النجم يعدو…
قد احتشمت فكيف إذا تجلت…
وبعض الناس للشهوات عبد
ورائعة ببنيان عظيم…
هي الأولى وفي التكوين فرد..
حواجبها تقول لناظريها..
قضاء الله ليس له مرد…
أخيراً ها أنا يا صديقي الشاعر أردد معك أن قضاء الله ليس له مرد، كما أنه لا مرد لحكم الله فيك وفي نزفك الشعري الدائم …. في رحلتك الأبدية نحو النجوم والأصداف والأطياف… إنها لعنة الشعر وبركته في أن فامض إلى حيث تأخذك القصيدة والشعر، لكن إياك ألا تعود بقصيدة تلو أخرى حاملاً شعرك جواز سفر لا يهدأ، وقصائدك رسائل حب لا مرفاً لأصحابها كغيمة لا أرض محددة لغيثها، كجدول ماء ينز مزن مائه لكل العطاش فهيا نحن في انتظارك أيها الشاعر العاشق.
محمود عزيز إسماعيل