وقـال البحــــــر…رجال غير مناسبين

العـــــدد 9370

 20 حزيــران 2019

 

هذا الرجل داهية الدواهي، يعرف جيداً من أين تؤكل الكتف، أخطبوط له عشرات الأذرع التي تعمل لأجله، عنكبوت لديه شبكة علاقات واسعة، يُطعم التسعة قبل أن تكون العاشرة له، ذكي حاذق يعلم تماماً متى يُقدم ومتى يُحجم، يعطي ليأخذ ويأخذ ليستزيد، لا يُقرأُ في وجهه سوى نور الرحمانية وابتسام الرضى لكنه في وقت الجد والشد عقرب لادغ سمه زعاف لا يرحم أعداءه ولا أصدقاءه إذا حاولوا الاقتراب من جحره، صبور نفَسُه أطول من السمكة في الماء يتقن فن الانتظار فإن لاحت طلائع الفرصة انقض عليها كالفهد يعاجل فريسته، طَموح يجلس على كرسيه يناظر كرسياً يفوقه علواً ومرتبةً ويجيّر كل طاقاته في سبيل الارتقاء إليه، هذا الرجل خُلقَ لتولي المناصب.
للأسف هكذا يفهم البعض في زمننا الحكمة الذهبية التي تقول: الرجل المناسب في المكان المناسب وتلك هي الكفاءات والقدرات التي يتميز بها البعض ممن يتولون مناصب الإدارة ويجلسون على سدة كراسيها ويقبضون على جمر قراراتها، هؤلاء يسعون إلى المنصب فقط من أجل المنصب وامتيازاته ويبذلون الجهد ويوجهون السعي من أجل زيادة هذه الامتيازات الشخصية ونفخها وتضخيمها قدر المستطاع وفي سبيل ذلك لا يعيقهم الروتين ولا تبطئهم البيروقراطية ولا يثبطهم الترهل الإداري بينما يقفون عاجزين أمام اتخاذ قرارات تعود بالنفع على الصالح العام في مؤسساتهم والمشجب جاهز كالعادة، الحرب، ضعف الإمكانات، الحصار، التوفير والتقنين من أجل رفد المجهود الحربي، إرث الإدارة السابقة الثقيل، والمضحك المبكي هو تلك التعويذة التي يتأبطها بعض المديرين فيطرحونها أمام المستفسر عن عدم اتخاذهم قراراً معيناً يبصر الأعمى أهمية اتخاذه من أجل الارتقاء بالصالح العام، يرفع واحدهم سبابته نحو الأعلى ويميل برأسه إلى كتفه بزاوية حادة ويقلب مقلتي عينيه نحو الأعلى حتى يملأ بياضهما محجريه قائلاً: لا أستطيع اتخاذ هذا القرار لحكمةٍ يرونها . . . فوق! وينسى أو يتناسى أن مكتبه في الطابق الأخير ولا يوجد فوقه سوى السبع الطباق.
مشكلة أن يجلس البعض على كراسٍ فضفاضة أكبر من مقاساتهم فيصنعهم المنصب ولا يصنعونه و ترتقي بهم المسؤولية ولا يرتقون بها هي مشكلة قد تندرج ضمن سياق الترهل الإداري لكن مشاكل أكبر يواجهها أولئك الذين يحملون على عواتقهم العبء الحقيقي في تسيير العمل وتدبير أموره ويضطرون مكرهين لا أبطال إلى الانضواء تحت نهج مدير قد لا يعرف من الإدارة إلا فن الحفاظ على شخصه جالساً على الكرسي فيضحي مثلهم مثل العمالقة يسوسهم الأقزام وعند هذه العقدة يتكسر منشار الإبداع والإنتاج الخلاق وتُعقل الإبل حيث يشاء صاحبها.
جرح الوطن شارف على التعافي بفضل أسود الشرف والإخلاص الذين جادوا بأنفسهم في ميادين القتال عَظُمَ الجود والجوّاد ولازال الكثيرون في ميادين الإعمار على المقلب الآخر يجودون بالجهد والسهر من أجل شفاء الوطن الأكبر، هؤلاء سيبقون أوراقاً خضراً على شجرة الوطن بينما سيتساقط أقزام الكراسي ورقاً أصفر تدوسه قوافل الشرفاء المتجهة إلى عرس المجد.

شروق ديب ضاهر

تصفح المزيد..
آخر الأخبار