العـــــدد 9352
الأربعــــــــاء 22 أيار
في معظم ما كُتب عن الأبوين وعلاقتهما بالأولاد، لم تحقق روح الدعابة والمرح كصفة من صفات الأبوين ما تستحقه من الاهتمام، والواقع أن روح الفكاهة أصبحت من العوامل المهمة في نظر البعض والتي تساعد في تخفيف شحنة التوتر من جو العائلة، و في المحافظة على سلامة العلاقات بين أفراد الأسرة حتى أن منهم من يقول إن التعود على خلق جو من الضحك و المرح في العائلة لا يساعد على إزالة المواقف المشحونة بالتوتر فحسب، بل يجعل من المناقشات الحادة و الإجراءات المشددة أموراً مقبولة وقابلة للحل.
إن روح الدعابة والمرح تساهم في بناء صحة الفرد والعائلة معاً، وإن تأثير مفعول الضحك المساعد لشفاء البدن هو موضوع مناقشة في الأوساط العلمية والطبية بشكل دائم، وقد أكد عدد كبير من العلماء بالتحليل دور الفرح والضحك والابتسامة في شفاء الجسم من عدد كبير من الاعتلالات.
للمرح والضحك تأثير بارز كمنبه لجهاز الهضم ولا سيما الكبد، ذلك لأنه يُدخل المزيد من الأوكسجين إلى الدم وباقي الخلايا، إضافة إلى دور الضحك الإضافي والمهم في إزالة التوتر العصبي.
تعتبر الابتسامة في واقع الأمر تعبيراً يعكس شعور الإنسان بالاستئناس أو الرضا التام إزاء الشخص الآخر، وهي بالتالي وسيلة فعالة وقوية لتحقيق الاتصال وتأمين استمراره بين الجميع. استطاعت بعض الأبحاث في الآونة الأخيرة تحديد عموم الأسباب التي تدفع الأطفال في الأسرة على اختلاف أعمارهم إلى الضحك في المواقف المختلفة، مع التأكيد على أن روح الدعابة والضحك هو أمر تلقائي بين الأطفال وذويهم في العائلة، ويؤكد الخبراء في هذا المجال بأن الضحك الجماعي يثير شعوراً من التآلف ووحدة التفكير، ويمكن بالتالي اعتبار الضحك على أنه تدفق شلال فيض من المتعة والسرور، وإذا استطاع أحد الأبوين أن يدفع أولاده للضحك معه، فإن الانشراح الحاصل من شأنه أن يزيل كل أثر من التفكير السلبي، كما أن قدرة الضحك المزيلة للتوتر تجعل منه أمراً ضرورياً للنهوض بصحة الأسرة.
هناك نقطة أخرى يجدر النظر فيها بتمعن إزاء سلوك الأهل وهي: هل يستخدم المزاح للحط والنيل من الآخرين، أم بهدف تلطيف الأجواء العائلية وخلق جو من الانسجام والألفة بين أفراد الأسرة؟.
إن محاولة إظهار عيوب الناس بأسلوب تهكمي قد يكون لها تأثير شديد الضرر للآخرين، إذ إن مواجهة تلك العدائية المقنعة بستار الدعابة والمرح أمر أكثر صعوبة من مواجهة العدائية المكشوفة أو السلبية الناجمة عن النقاش والحوار الحاد، كما أن الاستهزاء يحول دون إتمام الحوار بين جميع الأطراف، فهو عملية ذات اتجاه واحد تساعد الشخص المنتقد على إخراج ما بداخله من أحاسيس حادة، ويُلاحظ أن الأسر التي تعاني من التوتر والفشل غالباً ما تُنفس عن نفسها بأسلوب التهكم والاستهزاء فمزاح الأهل مع الأولاد ونعتهم بالبلادة والحماقة يُولد شعوراً لدى هؤلاء بالنقص والسلبية على عكس الأولاد الذين يُعززون شعورهم باحترام الذات من خلال مشاركتهم لأهلهم بالمرح والفكاهة البناءة، ويُلاحظ بأن العديد من الأسر المتماسكة وجدت في المرح و روح الدعابة ترياقاً مناسباً للخروج من التوتر والضغط الحياتي والخوف المزعج إلى رحابة الانشراح وعالم السرور والغبطة.
لعله ليس من السهل بمكان الوصول بيسر إلى طريقة مثالية للتمتع بروح الدعابة وخفة الدم لأن ذلك يعتمد على عنصر المفاجآت، ولكن في حال التركيز على كل الجانب المشرق من التحديات الكبيرة والمواقف الصعبة التي يمر بها أكثر أفراد العائلة، فسوف يتم العبور إلى شاطئ السعادة وضفة الراحة والسرور. وأخيراً يجدر القول بأن الناس يكتسبون القدرة على إظهار الضحك وخفة الروح من خلال تواجدهم وتواصلهم مع آخرين يتحلون بهذه الصفات، ومع تحقيق هذه الأمور يُتاح الطريق للتخفيف من المشاكل الخاصة التي تعصف بالأسرة والالتفات إلى هول المشاكل الخارجية المحيطة بجوانب حياة كل الناس.
د. بشار عيسى