وقـال البحــــــر … حكاية جديدة عن الوطن

العدد: 9349

الأحد-19-5-2019

 

 
 
أفكر أحياناً كيف لي أن أغادر أحاسيسي ومشاعري تجاه الوطن، كيف لي أن أغادر نصوص رواياتي التي تحكي عن الناس الموجوعين والمتعبين، وعن الناس الذين خرجوا من جلودهم.
صديقي أبو عامر نصحني أن أكتب خارج السياسة وخارج الواقع،
البلد موجوعة ليس بالحرب فقط ، وإنما موجوعة بأخلاق الناس التي وصلت إلى الدرك الأسفل من التدهور الأخلاقي، وأصحاب هذا التيار هم الذين يحتلون الطريق كلها.. وأنت ترفع صوتك، وهم في شؤونهم يعمهون..
ترفع صوتك بأنين محنوق، وكأنك تطبق الباب على أصابعك التي تمسك بها قلمك،
كيف لأصابعك الموجوعة أن تكتب؟ لا أفهم لماذا مازال بعض الكتاب يكتبون بأنين موجوع.
تنهدت في وجه صديقي، قرأت في نصيحته أكثر من الوجع، أظنه بات مهزوماً، المهزومون في زماننا كثيرون.
من أخطر ما يعانيه الإنسان أن يشعر إنه مهزوم وهو في الأساس ليس مهزوماً،
ماذا لو عشنا الهزيمة بعد عام النكبة الفلسطينية، أو بعد نكسة حزيران،
أو رفعنا راية الهزيمة في زمن الربيع العربي؟
ما الذي كان سيبقى منا، ومن أوراقنا، ومن أقلامنا ومن أفكارنا كلها؟
في حياة الوطن موقف إما انهزام أو صمود، في حياة الجندي شجاعة أو هزيمة، في حياة الكاتب موقف مع الوطن، أو خارجه.
أتساءل أحيانا وأنا أتصفح ما يكتب هنا أو هناك في العالم العربي، كيف للكاتب أن يهرب من قضايا الوطن إلى قضايا هامشية جداً لا تقدم ولا تؤخر في حياة الناس، وكيف تتجه ميول القرّاء إلى تلك الكتابات الخاوية من أي بعد وطني؟
على صفحات الفيس تضع امرأة لها صورة ليست صورتها، وليس ثمة تشابه بينهما على الإطلاق، فهي نصف عجوز ونصف شمطاء ونصف خرفانة، ومتصابية، وتكتب: (أنا اليوم زعلانة، أو أنها في مزاج جيد، أو في مزاج مضطرب) وتمتلئ الصفحة (باللايكات والتعليقات).
أجد نفسي أعرّج على مقهى بحري لأشرب القهوة قريباً من الموج لعلي أكتب زاوية للبحر فيها رائحة الموج، ورفرفة النوارس.
ويأتي صديقي: هات لي قهوة، يسألني: ماذا كتبت؟ وأقول حكاية جديدة عن الوطن.
 
سليم عبود
تصفح المزيد..
آخر الأخبار