وقال البحــــــر … نزيف الياســــمين

الأحـــــــد 12 أيار 2019

العدد: 9344

 
 
مقطع من روايتي (نزيف الياسمين) التي صدرت عن اتحاد الكتاب العرب
المتعبون من الحياة، يبكون بقلوبهم وتظل دموعهم بين أجفانهم، كما كان يقول أبي دوماً عندما كان يرى أحداً منا أو أحداً من أصدقائه حزيناً.
سألني: ماذا ستفعل في اسطنبول؟
قلت: أنا في بعثة دراسية . . دراسات عليا في التاريخ.
ولماذا في التاريخ ؟!
هكذا . . أحببت.
طلب قهوة على الفور (مشكلتي أنني لا أستطيع الاستغناء عن القهوة، يقولون لي: إنها تضر بالصحة، وأقول ليس أكثر من غرقنا في وجع الحياة).
جاءت مضيفة الطائرة بالقهوة، أمسك بفنجاني وقدمه لي (تفضل).
على الرغم من إظهاره اللطف، تملكني الحذر منه وهو يحدثني عن عشقه لسورية، وعن عمله في المسرح والسينما، أخبرني أنه الآن بمهمة إنتاج فيلم يتحدث عن روابط التاريخ بين البلدين، هو إنتاج مشترك سوري تركي، والجهات الحكومية التركية تموّل المشروع، لكنني لست مؤمناً بالعمل.
لماذا؟
للتاريخ بين تركيا وسورية رائحة الدم، الأمر بالنسبة لي أنا السوري الجذور ليس سهلاً عليّ خيانة التاريخ . .
إجابته المباشرة، والصريحة جداً، جعلتني مقتنعاً بضرورة الخشية من الدخول معه في حديث سياسي، أسندت رأسي على جدار النافذة وتظاهرت بالنوم بإغماض أجفاني، بطرف عيني رحت أتابعه، أخرج من حقيبته الجلدية المتشققة، البنية اللون جريدة تركية، وراح يقرأ، ثم نادى على المضيفة، وسألها: (ألديك صحيفة سورية)؟
قدمت له المضيفة عدة جرائد سورية، قلّب صفحاتها سريعاً، ثم ألقاها جانباً، وسألني: (لماذا أنتم مسحورون بالعلاقات السورية التركية؟)
قلت: (أليس أفضل من الحرب؟)
أظنه في هذه المرة، هو من هرب من الحوار، سألني بهدوئه البارد جداً: ماذا قلت لي ستدرس؟
قلت: التاريخ . . وبالتحديد تاريخ لواء اسكندرون.
احتضن ذقنه بكفه الأيمن، بدت شرايين كفيه نافرة، مال برأسه إلى ظهر مقعده،
ثم أعاد رأسه من جديد إلى الأمام، ونفرت نظراته نحوي، اكتشفت أن عينيه كانتا عسليتين، وهادئتين جداً، كنت أرتاح للعينين العسليتين، عينا عمتي ماريا عسليتان، كنت أتمنى لو كانت عينا زنوبيا عسليتين كعيني عمتي.
همس بصوت خافت جداً: لماذا لواء اسكندرون؟
خطر لي أن أقص عليه حكاية جدي، لكنه لم ينتظر، قال على الفور: (لا أظنهم سيسمحون لك، وأكثر من ذلك، قد يأخذون منك موقفاً).
لماذا؟
اللواء في عمق التاريخ سوري، وهم لا يقبلون أن تفتح جروح هذا التاريخ،
ورفع يده لمضيفة الطائرة: (قهوة).
سليم عبود
تصفح المزيد..
آخر الأخبار