العدد: 9342
8-5-2019
لكلّ حرب ويلاتها لما تعكسه من نتائج سلبية على البنى الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وكلما طال أمد الحرب كانت التأثيرات أكبر، خصوصاً ما يؤثر منها على مستقبل الشباب نتيجة فقدان البعض من سبل الحياة التي كانت ترسم معاييرها لآفاق مستقبلية لهم.
فماذا عن هذا الجيل الشاب الذي يعوّل عليه إعادة الإعمار؟
في استطلاعنا هذا توقفنا عند شريحة الشباب الجامعي الذين كانت آراؤهم تعكس ما يعيشونه ضمن الواقع، وتتحدث عن السنوات التي خلت وجعلت واقعهم مفروضاً عليهم، وعكسوا التأثر والتأثير في الحرب السورية ومدى الصمود أمام التحديات للواقع، وتمحورت أسئلتنا حول الحالة المزاجية والفكرية لشبابنا وطموحاتهم، وكيف تحقق وتبعدهم عن الهجرة والكفاءة والمعايير التي يؤخذ بها وعن آرائهم بالوظيفة وسقف إبداعاتهم وماذا يريدون.
بداية توقفنا مع شاب جامعي هزم الحرب ولم تهزمه لم تحدّ من طموحاته ولا أحلامه يثابر ويعمل ويجتهد ليحصد من الألم أحلامه، وهو الشاب مارك سهيل محمود شاعر ومؤلف ومخرج مسرحي، إضافة لكونه طالباً في كلية الحقوق، له العديد من الأعمال المسرحية من تأليفه، ومجموعات شعرية وأعمال مسرحية، ترك أحلامه لسنوات ليحارب مع الأبطال في الجيش العربي السوري، وعند استشهاد شقيقه الوحيد ساري عاد إلى خشبة المسرح ليتابع حلمه، وبرأيه إن الشباب السوري مبدع في كل المجالات ولكن المشكلة تكمن في عدم إعطاء فرصة لهم كما يريدون،
فالوظيفة مثلاً الحلم الأكبر للعديد منهم، والكفاءة لا يؤخذ بها كما يراد.
وأضاف محمود: إن من أخطر تداعيات الأزمة كان تأثيرها على الدراسة وتحديداً الجامعية ووصول البعض لمواقع المسؤولية دون أية كفاءة، وأكثر ما نعانيه نقص البرامج الإعلامية الموجهة للشباب تحديداً في تسليط الضوء على من يملكون الخبرة والكفاءة والطموح، فجيل الشباب يريد سورية أن تعود كما كانت فهم يملكون، مدخرات ثقافية وإعلامية وعملية واعدة وما أثبتوه خلال سنوات الحرب يعكس مدى حبهم للوطن ودفاعهم عنه، حتى بذلوا الغالي والنفيس من أجله.
* جودي أوبري طالبة أدب عربي رأت أن الشباب السوري طموح وصامد وصبور لا تقف أي حدود أو عقبات أمام ما يريد، ورغم ظروف الحرب وما حلّ بالوطن إلاّ أنه يسعى دائماً لإيجاد البدائل لما يريد ولو لم يكن سقف طموحه،
وهو ما يعكس أحياناً حالته المزاجية والفكرية، فالبعض ممن أثّرت عليه لجهة إبداعه أو الحدّ من طموحاته فأنا كطالبة كنت أحبّ دراسة الإعلام والفرع غير متوفر إلاّ في مدينة دمشق، ونتيجة الحرب لم أستطع الذهاب للدراسة، مما جعلني أغيّر من تفكيري وأتجه نحو فرع آخر لا أجد فيه ما أرغب، وكوني أعيش مع أسرتي فموضوع الهجرة أو ترك الوطن أمر غير وارد، ولو سعت الدولة لتوفير فرص عمل والتوظيف فأنا أجد أن الوظائف الحكومية قد تكون سقف الطموح لدى الفتيات كونها الضمان لهنّ ولو بحدود بسيطة، أمّا الشباب فمع هذه الظروف هم بحاجة لعمل يساعدهم في تأسيس حياة لهم ولو بسيطة، فالكفاءات قد تجد نفسها خارج الحدود وليس ضمن الوطن بالإضافة لتسهيل الأمور عليهم وتزينيها بشكل يجعلهم عرضة للهجرة وعدم البقاء على الرغم من كل ما تقدّمه الدولة لهم من تعليم وغيره.
* أما الشاب مصطفى علي محمد فقد قال: رغم ثقتنا بمستقبل يرسمه الوطن لأبنائه، إلاّ أن حالة من القلق نحملها في طيات فكرنا بشكل لا واعي تشكل هاجساً وخوفاً لنا، والهجرة غير واردة إطلاقاً من ناحيتي، وأعمل على إنهاء تحصيلي العلمي باختصاص الحقوق والمثابرة على الدراسة للتخرج بمعدل جيد، فالكفاءة العلمية مطلوبة بالإضافة للإبداع العلمي للشخص، وأنا كابن شهيد اخترت ألا أقف عند حدود التحصيل العلمي في هذه المرحلة، بل أعمل على نشر ثقافة التطوع من خلال تطوعي برابطة أبناء وبنات الشهداء بهدف الخدمة المجتمعية للتقليل من الفراغ المعنوي والإنساني لإعادة إعمار الإنسان، وبرأيي كشاب يعمل لمستقبله فإن الوظيفة أمان للمستقبل وتحصيل للدراسة ولكن أحتاج في ظل هذه الظروف التي تحيط بي إلى عمل مهني آخر أطلق فيه إبداعي الحر، ولعل ما نحتاجه هو الأمان ليعم في الوطن لنستطيع التخطيط للمستقبل بثقة وهذا منوط بالمجتمع الذي يرتكز عليه إعادة البناء.
* الشاب حسن الشيخ طالب طب في السنة التحضيرية للكليات الطبية الذي يتخذ قاعدة أساس في حياته ترتكز على أنه يحب العمل بجد وتكريس الوقت للوصول إلى الهدف، على الرغم من المعوقات التي تعترض هذا الهدف ومنها عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي وغيرها من الأسباب الناجمة عن الحرب، ومع ذلك فقد تعلمنا أن نصبح مرنين وجاهزين لأي طارئ أو تغيير مفاجئ وتعديل خططنا للمستقبل من أجل الوصول إلى الهدف، وكطالب طب قد يكون أحد أهدافي الهجرة لمتابعة التحصيل العلمي في الاختصاص كون الأمور مسهلة أكثر من هنا وتأمين حياة مريحة مادياً في حال عودتي للوطن.
أمّا إذا كانت الأمور أكثر مرونة ومشجّعة وكانت هناك قرارات تسهل من الأمور العلمية وتنعكس إيجاباً على الواقع بدون سلبيات وتراعي الواقع المعيشي وعدم الحد من سقف الطموح فإنني لن أغادر وسأتابع الاختصاص في الوطن.
فمثلاً سنة الامتياز التي تجبرّ الطبيب على البقاء سنة إضافية بعد انتهاء التخصيص بحجة أنها سنة خدمة للوطن تزيد من عدد سني الدراسة والتي تصل بمجملها إلى اثنتي عشرة سنة بالإضافة لخدمة العلم وسنوات التأسيس للعيادة ليجد الطبيب نفسه عند عتبة الأربعين من العمر ولم يؤسس لحياته العائلية، فتأتي فكرة السفر خارجاً أفضل بالإضافة إلى أن الوظيفة ليست سقفاً للطموح والإبداع والأهم أنها لا تأخذ بالكفاءة فالشهادات والتحصيل العلمي هما العصب الأساسي في التطور إلاّ أنه لا نجد هذا الأمر واقعياً فأنا ابن شهيد وانتسبت لرابطة أبناء وبنات الشهداء وذلك من منطلق إيماني بخدمة ذوي الشهداء وخصوصاً في مجال التنمية البشرية وواجب كل فرد تقديم المساعدة في إعادة بناء البشر قبل الحجر ففكرة ترك العمل كله على عاتق الدولة في إعادة تأهيل ما تخرّب سيكلفنا زمناً أطول لاستعادة حيويتنا، لذا علينا كمجتمع أهلي دعم بعضنا البعض لأن عملنا هذا سيختصر مراحل كثيرة من إعادة الإعمار.
ولعل المطلب الأساس لنا هو تحقيق مبدأ العدالة في تكافؤ الفرص وتحديداً العمل والوظيفة واتباع الشفافية عند اتخاذ القرارات ورعاية الشباب وحمايتهم والاستفادة من طاقاتهم وإبداعاتهم وتوظيفها بالشكل الأمثل.
سهى درويش