العدد: 9342
8-5-2019
حرب جائرة التهمت بأتونها آمال وأحلام وطموحات شباب في مقتبل العمر، المستقبل لهم وأمامهم، حطّمت قلوبهم وكسرت سواعدهم التي ما فتأت تحاول بناء ما تهدّم بالعقل والفكر قبل الاسمنت والحجر، قاوموا وصمدوا، ومن تحت رماد الحرب انتفضوا، بعضهم استلّ سلاح العلم والدراسة وكابد واجتهد ليحتلّ مكانة له بين أبناء مجتمعه كفرد بنّاء قادر على البذل والعطاء، وبعضهم قيّدته ظروف الحرب وقساوته وحدّت من أفاق طموحاته وقتلت مستقبله قبل أن يولد، وآخرون فضّلوا الهجرة والسّفر، هرباً من حاضر ضائع ومستقبل مجهول، علّهم يجدون في الغربة ضالّتهم وكنزهم المفقود، وتفتح لهم أبواب السّموات رزقاً ونجاحاً وتألقاً وغنى، مستسلمين لغد قدريّ غير معلوم قد ينجيهم من لهيب الحرب ويطفئ ظمأهم ويروي شغفهم للسّفر وخوض غمار التجربة دون أن يلتفتوا وراءهم، تاركين أوطانهم ومن فيها على أمل العودة واللّقاء الميمون، وهؤلاء لأولي أمرهم دور المحفّز والمشجّع والمساعد في توجيه بوصلتهم المستقبلية نحو السّفر والتّرحال والغربة، رغم الغصّة التي اكتنفت قلوبهم لكنّهم رموا بأبنائهم في مهبّ الحياة،ظناً منهم أن السفر ينجيهم من الموت ويبعد شبحه عنهم، ومنهم من قبل فكرة الهجرة على مضض – مجبراً لا راغباً – ووقع تحت الأمر الواقع ورضخ دون اعتبار لسنّه ومكانته وموقعه الاجتماعي.
ولطالما كان الشّباب عنوان المستقبل وعليهم نبني آمالنا وأحلامنا نستعرض في الآتي بعض الآراء لشباب هاجروا إما لإكمال دراستهم الجامعية أو للعمل أو هرباً من الحرب الظّالمة، مع عرض وجهات نظر بعض أهاليهم بين التّرغيب والتّرهيب، بين الرفض والقبول لفكرة الغربة والهجرة، ودورهم في إعادة الإعمار المنشودة، ومنهم من رفض وتمسّك بأرضه.
* ميرا (مدرّسة، متزوجة): في سنتي الأولى من الزواج راودتني فكرة السّفر بشدة وأقنعت زوجي بها على مضض نظراً لظروف عمله الجيدة هنا وعدم رغبته في الهجرة، وحاولنا مرات ومرات دون جدوى وباءت كلّ محاولاتنا بالفشل، وكانت الحرب حينها مستعرةً وعلى أشدّها،لكن مع قدوم طفلتي الأولى بدأت أخاف عليها، وأخذت فكرة الهجرة تتلاشى شيئاً فشئياً خوفاً من المجهول الذي لا نعرفه خارج حدود الوطن وكيف لي أن أرميها إليه؟ وعدلت عن الفكرة تماماً مع عودة الأمن والأمان والاستقرار إلى كثير من المناطق والمدن السّورية.
* السيدة أم رامي: قمت ببيع كثير من أملاكنا لتأمين قسط الدراسة لابني رامي في إحدى الجامعات الأوروبية الخاصة، لقناعتي بأنّ الوضع هناك أفضل وسوق العمل مفتوح على مصراعيه، فهو يدرس ويعمل في آن واحد لمساعدتنا في مصاريف وتكاليف نفقاته هناك، لكنّي حالياً اقترح عليه العودة بعد إنهاء دراسته مع توافر فرص عمل جديدة وخاصةً في القطاع الخاصّ هنا، وأتمنى أن يبقى بجانبي ويؤسس عائلته في سورية لا في بلاد المهجر.
* السيّد أحمد: رضخت لرغبة ولدي وإلحاحه الشديد مع والدته للسّفر خارج البلد في عزّ الحرب ومشاهدها القاسية والظّالمة وبالفعل كنت بين نارين، خوفي عليه من الواقع حينها وخوفي عليه من المجهول في الغربة، لكنه الآن يعمل في إحدى الشّركات التي أمّن له أصدقاؤه هناك العمل فيها وهو مهندس كهرباء، ولديه رغبة كبيرة للعودة لكن بعد أن يجمع بعض المال الذي يؤمن له ولعائلته حياةً كريمةً لائقةً وأنا بفارغ الصّبر بانتظار يوم عودته.
* السّيدة ربا: بين ليلة وضحاها توفّرت لابني فرصة ذهبية للسّفر إلى ألمانيا وخلال 24 ساعة غادر البلد، ورغم القلق والخوف والتوتر الذين يعتروني، لكنّي إنسانة مؤمنة بقضاء الله وقدره، أرافقه بدعائي صباح مساء، ومع وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال عبر الواتس آب والفيس، أصبحت المسافات ملغاة، فأنا معه كل دقيقة، أتابعه وأعلمه الطبخ وتدبير أموره هناك، على أمل اللّقاء القريب به.
* السيد مروان: على الرغم من الإغراءات العملية والمالية الكبيرة التي قدّمت لي وإلحاح أصدقائي وزملائي لاستقدامي إلى إحدى الدول الخليجية والعمل فيها، إلا أنني رفضت ولا زلت أرفض السفر، فأنا أعشق وطني وأهوى ترابه ولا أستطيع العيش خارجه، أهلي وذكرياتي وتعلّقي بأدق تفاصيله تمنعني من السّفر، فإذا أنا تركت وطني وذاك غادره وذاك انسلخ عنه، من يبني مستقبل أبنائنا وأحفادنا، أنتركه في مهب العاصفة تتلاطمه رياح الخونة والعملاء، أما الشاب اليكسي فهو مثال للشّاب المجّد المجتهد الذي يتابع تحصيله في أعرق جامعات العالم على أمل العودة إلى سورية.
* السيدة ماري وزوجها جورج: بعد أن تأمّنت لنا الفيزا إلى أعرق الدول الأوروبية وأكثرها حضارة ورقياً مع توفر الإقامة والعمل المناسبين، رفضنا واتخذنا قرار البقاء، رغم كثير من المنغصّات والصعوبات التي نعانيها، لكننا نتحّمل ونصبر كرمى أبنائنا وأملاً بتحسن الظروف وانتعاش الحياة وعودتها إلى طبيعتها أيام عزّها ومجدها قبل الحرب اللعينة.
* المهندسة ريتا: سأعود حالما أنهي تحصيلي العلمي العالي في روسيا وأرفض فكرة البقاء والاستقرار هناك فأنا ملك هذه الأرض.
مع هذه الآراء المقتطفة نجد أنه لا بّد من إيجاد قراءة دقيقة لفئة الشباب تحدّد احتياجاتهم ومتطلباتهم المرحلية والطّارئة، وتوفير مستلزمات العملية القادمة لإعادة الإعمار التي يشكلون حجر أساسها وبنائها ولا بّد هنا من إتاحة المشاريع التي تؤطّرهم وتوظف خبراتهم وإمكانياتهم بالشكل الأمثل، وتأمين التسهيلات اللازمة لهم لإتمام عملية البناء بعيداً عن أي عراقيل ومن الواجب الأخذ بمعيار الكفاءة والخبرة بعين الاعتبار بعيداً عن أي اعتبارات أخرى كالواسطة والمحسوبيات، وواجب على القائمين على برنامج تشغيل الشباب إعادة تفعيله لاستقطاب أكبر عدد من هذه الفئة التي تعلّق عليها الآمال فهم الأجدر والأجدى ببناء المرحلة القادمة، لابد من استغلال قدراتهم العقلية والفكرية والجسدية أيمّا استغلال مع تأمين مردود يليق بهم يحصّنهم ضدّ التفكير بالهجرة ويغلق بوجههم أبوابها لا بل يدفعهم إلى العمل والاجتهاد بكل دأب وتواصل، وهنا على المؤسسات المعنية من إعلامية وثقافية واجتماعية واقتصادية جذبهم إلى سوق العمل بكل الوسائل فهم ثروة وكنز غير دفين، ويحتمّ علينا إغراءهم للبقاء بشتى الوسائل والظروف، كي لا يستنزفهم الغريب في غربتهم ويمصّ دماءهم، فأوطانهم أولى بهم وهم أولى بها.
ريم جبيلي