وقال البحــــــر…حكاية المسك والعنبر

العـــــدد 9338

الأربعـــــــاء 24 نيسان 2019

 

ما أروع وأبلغ تشبيه علاقة الزوج والزوجة بسحر امتزاج المسك والعنبر، فما أزكى تلك الرائحة الفواحة التي تنبعث من هذا الاندماج، ففي شرارة لحظة الحب الأولى يتبادل الشاب والفتاة نظرات مفعمة بالحب المتبادل، وفيها يهتز كيانهما في إيقاع مشترك عندما يُبصر كل منهما في عين الآخر انعكاس روحه، ويشعران بفيض من الحيوية وحب الحياة الجميلة، وبمقارنة هذه اللحظة الأولى بما يشعر به نفس الزوجين بعد ذلك ببضع سنوات، فكل منهما يبصر في عين الآخر شخصاً غريباً ويشعر بأن روحيهما قد خلتا من كل معنى، وعلى شفتيهما المزمومتين ترتسم كل معاني الألم والغضب، وفي هذه اللحظة أي لحظة الغضب يشعر الزوجان أن الدنيا قد تحولت إلى ظل بغيض وفي صدريهما يسمعان صوتاً يهتف معلناً انتهاء ذلك الوجد القديم.
يقول المتخصصون إن الزوجين اللذين يستطيعان حماية سعادتهما مختلفان عن الزوجين العاديين، من حيث أنهما باستمرار يعرفان كيفية البوح بسلوكهما من خلال النقاط التالية:
* الزوجان السعيدان يعرفان كيفية التعبير بالكلام عن حبهما لبعضهما، فالبوح بكلمات الحب هو نوع من الملامسة الروحية، لأن الكلمات تستطيع إحياء المشاعر والإبقاء على الحب قوياً، وفي مقدمة سائر المشاعر هي العلاقة الزوجية.
* يتفوهان بصدق بعبارات التقدير والتشجيع والإعجاب، ويتحدثان عما يرغبان فيه، وتكون النتيجة هي أن كليهما يشعران بأنهما متطوران وكل منهما يقدّر قيمة الآخر.
* يشتركان في الكشف عن دخائل النفس وهما مستعدان على الدوام لأن يشركا بعضهما في آمالهما وأفكارهما ومشاعر الغضب والذكريات والتجارب المؤلمة، وهما أكثر استعداداً للكشف عن النفس مع الإحساس بالراحة والحرية من الأزواج غير السعداء.
* يتبادلان مع بعضهما التأييد العاطفي، فيشعران أنهما لبعضهما في ساعات المرض والشدة والأزمات، وهما أوفى الأصدقاء، ولا يبخلان عن تقديم أي عون، ومخلصان في رعاية المصالح المشتركة، وحريصان على رفاهية بعضهما البعض، لأن الإنسان إذا كان لا يراعي إلا حاجاته الخاصة دون التفات إلى حاجات الطرف الآخر فإن التعامل بينهما لا يصبح متكافئاً.
* يتقبلان بصدر رحب الطلبات المتبادلة بين الطرفين، ويصبران على نقائصها، وهذا لا يعني التسليم بالواقع على علاته دونما مطالبة بتبديلات في سلوك عند الطرف الآخر، و لكنهما لا يبالغان في ذلك.
* يخلقان الأوقات المناسبة واللازمة فعلاً لتغذية علاقتهما مع بعضهما، فاعتبار أن علاقتهما تتمتع بأولوليتهما الأولى تتطلب أن يكونا متمتعين باستقلال كبير للروح، وهذا النوع الفريد من الاستقلال لا وجود له إلا بين الأزواج القادرين على الاحتفاظ ببعضهما لسنوات طويلة، وهذا يصبح ممكناً إذا نظر الإنسان إلى علاقته الزوجية واتخذ قراراً بأنها لا تقل أهمية عن النجاح الذي يحققه في أي عمل يقوم به في حياته، ولعل هذه الصفات الآنفة الذكر لا وجود لها جميعها بصورة متساوية في كل حالات الزواج السعيدة، لأن شركاء الحياة لا يُبدون هذا السلوك بنسب متساوية في سائر الأوقات.
إن تمتع الإنسان بالتقدير الذاتي يساعده على الوفاء بالقدر الأكبر من الالتزامات إزاء شريك الحياة، مما يساعد على بقاء الحياة الزوجية هانئة وسعيدة، وما من شيء أبداً يمكن أن يضمن نجاح هذه الحياة أكثر من عمق معرفة الزوجين لقيمهما الخاصة، ويلاحظ أن الافتقار إلى تقدير الذات، وعدم الإحساس بالكفاية، وفقد قابلية حب أغلب الناس يجعل من الصعب الارتباط مع أي شخص كان، إلا إذا تأكد عُمق الإحساس لديه، و حُسن المعاملة في تصرفاته، وسلامة النوايا في كلماته، لأن السوء في شريك تلك الحياة سيجعل التقدير الذاتي يتجه فقط نحو طريق التردي وهوة الخوف.
وأخيراً فالشيء المهم هو معرفة هول المأساة الحقيقية في معظم العلاقات، وهي أن معظم الناس يخشون أن يبذلوا كل ما لديهم، لأنهم يخافون ألا يكون ذلك كافياً، أو أن لا يقابل من الطرف الآخر بنفس الشعور.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار