العـــــدد 9336
الأربعاء 17 نيسان 2019
كرست إرادة الحياة أن يحتفل السوريون بعيد الجلاء وهو العيد الذي تزهو به جميع الأوطان، وذلك مع عودة دورة الطبيعة في فصل الربيع الذي يتفتق خصباً واخضراراً في نيسان شهر تجدد الحياة ورمز العطاء وربيع الأزهار.
وكان الجلاء المنشود في ذلك اليوم الموعود الذي تكلل فيه صدق نضال الشعب وكفاحه بمختلف شرائحه وتنوع فئاته استقلالاً وطنياً ناجزاً في السابع عشر من شهر نيسان للعام ١٩٤٦ باندحار آخر مستعمر فرنسي عن أرض وطننا الحبيب بفضل التضحيات الجسام التي قدمها أبطال الجلاء وشهداؤه البررة الذين سطروا أسفار البطولات في سجلات الخلود على مر الزمن.
لقد أتى الجلاء العظيم ممزوجاً بدماء الأحرار الزكية كخطوة أولى على طريق التنمية والبناء الطويل ومتطلباً جمع كل القوى الوطنية المخلصة واستثمار كل طاقاتها وإمكاناتها لتحصين هذا الاستقلال وترسيخه.
ودأب الشعب، كل الشعب بعماله وفلاحيه وبجنوده ومقاتليه وبشبابه ورجاله ونسائه ليكرس هذه الذكرى الغالية بمظاهر شتى رسمية وشعبية كتجسيد لإرادة الحياة في العمل والبناء والتقدم والازدهار والرقي والانفتاح، إلا أن هذا لم يرق للمتربصين شراً بهذه الرقعة المباركة من الكرة الأرضية حيث أسفر تحالف قوى الشر العالمية عن شن أعتى وأشرس وأقذر حرب كونية استهدفت البشر والحجر والشجر، لطمس نور البشرية، وقلب العروبة النابض، ومهد الحضارات بهدف إعادتها إلى سواد عصور الانحطاط والتخلف، ولطمس هذه الزهرة اليانعة التي تنشر عبيرها العبق رُقياً وتطوراً وإنجازات وتقدماً.
وعلى مدى سنوات ثمانية خلت فشلت كل أدواتهم الأصيلة والوكيلة في كسر إرادة الحياة، وقدم السوريون دروساً في التضحية والفداء لكل العالم من أدناه إلى أقصاه، لتسجل الأقلام في الصحف بحبر دم الشهداء بأن هذه الأرض كانت وستبقى منارة طاهرة على الدوام مع تعاقب الأيام.
لقد قدمنا وما زلنا نقدم الغالي والنفيس حرصاً على إنجاز الجلاء التام بدءاً من كسر ودحر هذه الحرب الغاشمة والشعواء على بلدنا الحبيب وسحق أدواتها الدنيئة وتهيئة كافة الظروف المشروعة لإعادة الجولان المحتل إلى وسط سورية وليس على حدودها، واسترداد لواء إسكندرون السليب إلى حضن الوطن مستمدين من وهج وطهارة دماء الشهداء مناراتٍ تضيء دروب العمل والنضال والكفاح والفداء لإكمال المسيرة وإتمام مسير الدرب، ولتبقى شقائق النعمان تنمو وتزهر في وطني الأشم الأخضر، ولعل أبلغ رسالة إلى القاصي والداني بأن سورية كانت وما تزال وستبقى منبع الصدق والكرامة وبوابة التاريخ والحضارة، فعلى ترابها كُتبت البطولات وقدم أشبالها أغلى التضحيات، وعلى أبوابها اندحر الغزاة وعادوا أدراجهم كالعراة.
د. بشار عيسى