بين الشـط والجبل ..كنوز على الرصيف

العدد: 9334

الإثنـــــين 15 نيسان2019

 

أذكر . . كنا نقرأ في طفولتنا القصص والكتب ونتباهى بها بقصد المطالعة.. ولم نكن ندرك أن للحروف أجنحة علّمتنا الطيران في سماوات الألق، وللكلمات جهاتٌ تقصدها عمداً، وللصور وقعٌ دافئٌ في أعماقنا يشبه رقص المطر فوق نوافذ الروح . .
كانت قلوبنا تتراقص فرحاً حين نتلقى كتاباً كهدية، وفي مرحلة الدراسة الجامعية كنا نزور معرض الكتاب بشوق ونتمنى لو نملك المال لنشتري أكبر عدد من الكتب، وأذكر جيداً أحد الزملاء الذي قصد المعرض من أجل كتاب معين، لكن العناوين أغرته فاشترى بكل المبلغ الذي في حوزته كتباً وعاد إلى منزله سيراً على الأقدام لأنه لم يترك في جيوبه حتى أجور المواصلات . .
لا أزال أقف أمام مكتبتي الصغيرة في منزلي بين حين وآخر، وبسبب ضيق المساحة الجغرافية.. أعترف أني أحاول التخلص من بعض الكتب والمجلات القديمة، وفي كل مرة تخيب محاولاتي وأشعر بسعادة دفينة لتلك الخيبة. فكل عنوانٍ يحمل دفئاً خاصاً وتاريخاً عزيزاً لا يمكن أن أستغني عنه، وكل اهداء من المؤلف هو بمثابة طاقة ورد لم تغّير الأيام رائحتها ولا لونها . . وكل كتاب قديم هو محارةٌ أطبقت على لؤلؤ فريد . .
منذ مدة استوقفني منظرُ مجموعة من الكتب والدواوين القديمة تقبع بحزن فوق الرصيف إلى جانب قطعٍ من الملابس والأحذية المستعملة. استطعت بسهولة أن أميز كتباً منها لجبران وتشيخوف وبدر شاكر السياب ومكسيم غوركي، وكتاباً عن السيرة الذاتية لكوكب الشرق أم كلثوم بالإضافة إلى روايات عالمية.
عبارةٌ واحدة كانت تجول في خاطري بحزن.. كيف يحمل الرصيف كل هذه الكنوز ولا يكترث بها إلا القلّة القليلة؟!
لماذا نلقي بكنوزنا الثقافية فوق الأرصفة وعلى قارعة الطريق بهذه الطريقة العبثية.. وكيف تُباع هذه الكتب بتكلفة مادية زهيدة لا تكاد تغطي تكلفة الغلاف أو الطباعة ومع ذلك لا تلاقي إقبالاً . .
هل حقاً ضاقت بها عقولنا في زمن الحضارة؟!
هل ضاقت بها رفوف المكتبات، وشغاف القلوب . . ودروب الذاكرة؟!
أكتب كلماتي هذه وأنا أتصفح ديوان السياب الذي حصلت عليه من أحد الباعة وقد أبدى استغراباً لفرحتي وهو ينفض الغبار عنه . . وأختتم بأبيات رائعة الوصف:
رأيتُ الذي لو صدق الحلم نفسه
لمدّ لكِ الفما
وطوق خصراً منكِ واحتاز معصما؟
لقد كنت شمسه
وشاء احتراقاً فيكِ، فالقلب يصهر
فيبدو على خديك والثغرُ أحمرُ
وفي لهفٍ يحسوْ ويحسوْ فيسكرُ . .

منى كامل الأطرش

تصفح المزيد..
آخر الأخبار