الوحدة 13-8-2022
في عتمة اللقاء… وحين جد وجد الوجد، واشتعل أوار الحب، والتهب مرجل الغزل، نظر إليها ذات لقاء غير منتظر، غير مرتب له، أو معد.
تأملها، كانت ترمي شالها الأسود على كتفيها. ليبدو أن هناك وشاحين من ظلمة لايشبهها سوى الليل الذي تمطت ذؤابته، وامتد حتى لف مدى المساء.
ليلان يجتمعان في أمسية صيفية.
جدائل السهر في عز العنب وتين الصيف .. على مطلة كما تسميها العجائز، تشرف على الكروم التي تحولت إلى أشباح تتراقص مع نسائم ليالي الصيف المخمورة بالنبيذ المنتشية بأغاني (الليل والأوف والميجانا والدلعونا) وقد حملها الصدى، ولف بها الفضاء، وأرجاء الاتجاهات.
كل السهارى منهمكون بالضحك وارتجال الأغنيات والشعر.
هو الليل في أوله، ولاأحد يدري متى يكون آخره، كل في شأن.
وحدهم العشاق مضطربون، خائفون حيارى من تعنت الصبايا. ودلعهن، الجميلات يقلن ” بيلبق لنا نتدلل ونتدلع مين مثلنا..؟ ”
نحن كشجر الرمان نتدلى بثمارنا لمن يقطفنا حين نريد، نجعل قطوفنا دانية، لذوي القلوب المحبة المستهامة الحانية، نحبس فاكهتنا كما المطر عمن لايقدرنا.
فصولنا خيرة.
تنضجها شمس المحبة، وكرم الرجولة الحقيقية.
في غيبة العيون المتربصات.
مسك يدها، أشاحت بوجهها عنه..كانت تمارس خجلها عليه، وربما دلالها أو حتى دلعها، قال لها:
لاتديري ظهرك
لاتشيحي بوجهك عني
هل رأيت قمرا حجب ضوءه وقد اكتملت مداراته وشب عن الطوق ؟
صمتت صمتها المريب، لم تنبس ببنت شفه..!!
جف حبر الكلام على شفتيها، في الوقت الذي كانت تسيل منه الأغنيات، ويؤلف لها أجمل المقطوعات الموسيقية التي تليق بخصرها الملتوي رقصاً وغنجاً بين يديه..
هي لاتجيد الرقص والحركات الأنثوية الساحرة واللافتة إلا على سلم نوطته الموسيقية.
لكن ماذا حدث بعد كل هذا الشغف والارتماء في حضن أمواج البحر وعزفه المنفرد الرائع لها ؟
جمح بها كالمهر، وهي الفرس، غاص معها قيعان البحار بحثاً عن لؤلؤة جديدة لم يكتشفها بعد غواصو المحيطات.
كانت تصمت بينما كان هو يعزف على الكمان، مقطوعته الهادئة مثل قطرات الندى في أول السحر.
كل هذا لم يشفع له عندها..
لا البحر
لا الشاطىء
لا المراكب
لا الشروق
لاصبح طلتها وهي ماتزال في خدرها كالأميرات، “نؤومات الضحى”
لم تشفع لديه ألحانه وسيمفونياته بها ولها.
سألها لماذا تصمتين؟
أين كل الكلام الذي صغته بأحرف من شوق ..حب وأنين…
لم يطل صمتها :
لا أستطيع مجاراة عواصفك.
ولا أشرعة عواطفك، ولا حمم براكين عشقك ولهبيها
إن مشاعري باردة…
إن مشاعري تجاهك متضاربة !!
فجأة خرست كل الآلات الموسيقية..وتسمرت الأقدام الراقصة.
خالد عارف حاج عثمان.