الوحدة : 10-6-2022
مقتطفات من كتابي ” القائد الأسد والأمن القومي العربي بيروت/ 1999 ” * منذ منتصف تشرين ثاني عام 1970 بنى الراحل الكبير حافظ الأسد سورية حجراً ..حجراً..و ذلل هزاتها هزة..هزة.. بينما كان دخان نكسة حزيران قد أعمى البصر و البصيرة فحاول أن يمحو آثار النكسة التي صقلته بوضعه لأسس التصحيح الشامل حيث كانت بداية الانطلاق وطنياً و قومياً مع قيام حركته التصحيحية المجيدة في 16تشرين ثاني عام 1970 . * أخذ منهج الأب المؤسس حافظ الأسد سياسياً واستراتجياً يتضح منذ عام 1973 حيث كانت منظومة الدول الشيوعية ” دول حلف وارسو وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي السابق ” و كان سلاحه منها دون أن يحسب عليها ..و كانت الولايات المتحدة الأمريكية خصمه اللدود ، لكنه لم يتناحر معها بل كان يردد في أي حوار مع إعلامي غربي أو أمريكي ..لا يوجد سياسة أمريكية في المنطقة بل يوجد سياسة إسرائيلية تنفذها أمريكا. * التقط المسافة بين الشرق الأوسط وأوروبا ، فتمسك بالوطن دون أن يغلق الطريق على الحوار معها وفي الوقت ذاته عربياً فعّل التضامن العربي على اقصى مدى وسار في طريق الوحدة العربية على حذر دون أن تبتلعه شعاراتها الكبيرة. * كان واسع الأفق سياسياًِ ، نافذ الرؤية استراتيجياً حيث وطّد القوميين و أطلق الليبراليين ، و احتوى الإسلاميين و تحالف مع الشيوعيين ، فالتف الجميع حوله فضمن الداخل وذهب إلى الحدود فدخل الحرب ضد “إسرائيل ” في 6 تشرين أول وخرج منها منتصراً و عندما ذهب السادات بانتصارات تشرين ليضعها في السلة الصهيونية ، حطم الأسد الموجة و هي في ذروة ارتفاعها. * دخل اللعبات الساخنة بالقرارات الهادئة ، فلم يورط بلاده بالمعادلات التي لا تستطيع الخروج منها.. * دخل لبنان عام 1976بناء على طلب شرعي من الحكومة اللبنانية، حيث كانت الطوائف في لبنان كالنار في الهشيم تأكل بعضها بعضاً ، فدخل جيشه إليه لإيقاف نزيف الأشقاء وإخماد لهيب الأرز الذي كاد يحترق..فإذا بالجيش السوري مشكلة لبعض الزعامات اللبنانية التقليدية رغم ما قدم من تضحيات وشهداء..أما غيابه فهو كارثة للجميع ، و بعد سنوات اتفق اللبنانيون على الاحتكام إلى القائد الأسد حتى لو اختلفوا بأبسط شؤونهم وكان طريقه ليس سهلاً إلى اتفاق الطائف الذي تجاوز بمنطقه منطق الطوائف… *عندما دخل الإسرائيليون بيروت ، لا ليسيطروا على شارع الحمراء و كازينو لبنان و إنما لنسف المنطقة بأسرها.. عرف كيف يستنزف المجابهة العسكرية ، ودخل المجابهة التاريخية ، فتعالت الأحزمة الناسفة وخرج الإسرائيليون بجثثهم، ووضع استراتيجية جديدة للمقاومة انبثق منها فيما بعد حزب الله الذي حرر الجنوب في أيار عام 2000 لكن الراحل الكبير لم ير هذا الانتصار العظيم لمشيئة القدر في رحيله في العاشر من حزيران من ذاك العام و قد اعترف سماحة السيد حسن نصر الله بدور الراحل الكبير بهذا النصر المؤزر. * اختلف مع ياسر عرفات و تمسك بفلسطين و طالبه بعدم التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني وعندما وقّع عرفات اتفاق أوسلو قال له : يا أبا عمار، إن كل نقطة في هذا الاتفاق بحاجة إلى اتفاق آخر ..إنك تسير في نفق مظلم و طويل . * في عام 1980 حاول العرب عزله لوقوفه ضد الحرب العراقية / الإيرانية و لكنهم عادوا إليه معتذرين بعد احتلال صدام للكويت عام 1990 ليعترفوا بصوابية سياسته وسداد رؤيته..فربح إيران ولم يخسر العرب. * في عام 1991 وصل العرب إلى مدريد فوضع الأسد قبضتيه على الطاولة: قبضة مرنة و قبضة صلبة و مضى في الصلابة إلى آخرها ، فلفت العالم إلى حقوق لا يمكن تجاوزها ، و حوّل العرب من لعبة إلى لاعب ، ولم يرتكب مفاوضوه أية هفوة تسمح للدبلوماسية الأخرى أن تقول : ( هذا وقت الصيد فتوافدوا إلى الوليمة ). * لقد واجه الأحداث و أرهقته حيث تشابكت حوله المؤامرات فأذلها و مضى جميع من حوله إلى التراجع فتقدم و تقدم و تقدم إلى أن وافته المنية ورحل إلى ديار الحق في10 حزيران من عام 2000 ، رحم الله الراحل الكبير الأب المؤسس حافظ الأسد و أدخله فسيح جناته.
د. عدنان بيلونة