الوحدة- ريم ديب
لم تكن الليلة الثانية من تظاهرة اليوبيل الماسي “اللاذقية تغني” مجرد أمسية فنية عابرة، بل تحولت باحات المتحف الوطني في اللاذقية إلى ساحة كرنفالية احتفاءً بالحياة والنصر. فبالتزامن مع اقتراب “العيد الأول للتحرير” وإعلان ولادة “سوريا الجديدة”، اشتعلت مقاعد الجمهور حماساً، وتماهى الحضور رقصاً وغناءً مع المبدعين، في مشهد جسّد تعطش السوريين للفرح وتوثيق ذاكرتهم الحية.
وشهد اليوم الثاني كثافة في الحضور وتصاعداً في الحالة “الفرجويّة”، حيث لم يستطع الجمهور النخبوي البقاء على مقاعده أمام صولة الصوت الجبلي للمطرب الكبير برهان القصير، الذي ألهب المشاعر بأغاني الوطن والعنفوان (بلدي يا أرض الجداول، العزم معمرها، عندك بحرية)، تحول المتحف إلى ساحة رقص جماعي، في تعبير عفوي عن الانتماء والفخر.
وتوالت الأصوات العذبة لترسم خارطة التراث الساحلي، بمشاركة نجوم الأصالة: جورج نمر، عبد الفتاح مفتي، سهيل شويط، أحمد نجار، عليا طراف، وأحمد جريكوس.
فيما أضاف “كورال حنين” نكهة خاصة، معيداً للذاكرة روائع مثل (بنت الشلبية، طلوا حبابنا، يا شجرة الليمون، يا محلا الفسحة)، لتصدح الحناجر بأغاني الحب والأرض، بينما وثق الراوي ومخرج العمل الياس الحاج بين الفقرات محطات من تاريخ سوريا الحضاري، مؤكداً أن “سوريا المنتصرة مستمرة في التحليق كنورس ذهبي”.
وعلى هامش الفعاليات، عُقد مؤتمر صحفي ضم صناع الحدث، حيث كشف الكاتب والمخرج الياس الحاج عن الجذور الأولى لهذا المشروع الضخم. مستعيداً ذكرياته منذ سبعينيات القرن الماضي مع النادي الموسيقي وأستاذه الموسيقار جول جمال، مؤكداً أن فكرة “اليوبيل” ولدت من رحم الأمسيات الأسبوعية التي يقيمها النادي بقيادة المايسترو حسن طحان.
يقول الحاج: “رغم غيابي لسنوات في دمشق، لم أنقطع عن النادي، ومن تلك الأمسيات التي توثق مؤلفات العباقرة (محمود وزياد عجان)، قررنا تحويل هذا الإرث إلى عمل توثيقي تكريمي ضخم، يجمع نخبة العازفين والمغنين”، ولأن الحدث تجاوز حدود المكان، وصلت رسائل مؤثرة من قامات فنية كبيرة، باركت التظاهرة وشاركت وجدانياً رغم بعد المسافات.
صلاح طعمة: تعميم التجربة ضرورة وطنية
في رسالة لافتة، عبّر نائب نقيب الفنانين في الجمهورية العربية السورية، الفنان والمنتج الكبير صلاح طعمة، عن اعتزازه بهذا التكريم “الغالي على القلب”. وقال طعمة الذي منعته ظروف التصوير خارج البلاد من الحضور: “جمال هذا المهرجان مستمد من جمال اللاذقية التي أعشق، والتي احتضنت تصوير مسلسلاتنا لأكثر من 25 عاماً”.
وأضاف واصفاً أهل المدينة: “جمال الطبيعة هنا نابع من نقاء قلوب الناس وتسامحهم.. هذا الشعب طيب، وطني، ومعطاء مهما مرت عليه من منغصات”. ودعا طعمة إلى تعميم هذه التجربة “التوثيقية الرائعة” لتشمل كافة المحافظات السورية حمايةً للتراث الحضاري والفكري، مؤكداً دعمه المطلق لأي مشروع يحقق “الأفضل والأعلى” للفن السوري.
من جهته، وجه النجم المكرم سمير سمرة رسالة مفعمة بالحنين، معتبراً التكريم عودة إلى الجذور. واستذكر سمرة قامات أثرت في مسيرته مثل رشيد شخيص وهند هارون، مؤكداً أن تراث اللاذقية الذي غناه (سالم حبيتو، يا محلا الفسحة) سيظل يسكن صوته أينما حل.
موعد مع الختام
تختتم التظاهرة فعالياتها اليوم الجمعة (5 كانون الأول)، واعدةً بمزيد من “أسرار فنون الدهشة”، لتسدل الستار على حدث سيذكره تاريخ اللاذقية طويلاً، كعلامة فارقة في زمن الانتصار الثقافي والوطني.


