قراءة في رواية ” البحث عن فراغ”.. للأدبية الروائية ” سلوى إبراهيم”

الوحدة:13-2-2022   

 

 جرعة أمل يسري خدرها في جسدي كّل يوم. وحين ينتهي أثرها تنتفض روحاً رافضة الخضوع لدّوامة الفراغ. فالحمل ثقيل والليل ممتد كالسراب”

 بهذه  الكلمات تبدأ الأدبية  ” سلوى إبراهيم” روايتها ” البحث عن فراغ” والصادرة عن ” دار المرساة للطباعة في اللاذقية. وتضم مئتي وستين صفحة  من القطع المتوسط.

 – لم تحدد الروائية فصولاً لروايتها ولا حتى بالأرقام. فالسرد التي أبدعت في حياكته ينسيك الرقم لكني أستطيع أن أبوّبه بمراحل ست دارت وتمحورت أحداث روايتها على الشكل التالي.

1- الحياة في حبي الأزهري الشعبي. رغم تضاؤل دوره في أحداث الرواية.

 2- الحياة في حي” الزراعة” الأرستقراطي . وهو مقر السكن النهائي.

 3- الحب الخلوي. المحادثات الهاتفية” التي احتلت أهم أحداث الرواية.

4- الزواج وما نتج عنه.

5- الهجرة إلى الخليج ومسبباتها.

 6- البحث عن فراغ.

 سلوى إبراهيم تبدأ روايتها باتصال تلفوني من امرأة مجهولة هي على ضجرها ومللها وهو وكأي مراهق يترجرج قلبه لنعومة الصوت ورقة الكلمات..

 وإما سألها: ماذا تريدين يا امرأة، وما أسمك؟

 أجابت: لا أعرف، وكل الأسماء سيّان عندي

طالت أحاديثهما الليلية على عذوبتها . ويبدو أنها على معرفة به وجهل هو بها كانت أفكاره تعجبها كانت تعلم أنه في الثامنة عشرة من عمره وأنه يتهيأ هذا العام لامتحان الشهادة الثانوية إنه ” خالد” المتقد فكراً وثقافة.

– كانت أحاديثهما تستمر حتى تكاد تلامس أشعة الشمس فيما أمه وكأية أم كانت رهينة انتظار نهاية الامتحان ونجاح وليدها والذي وعدها أن يغدو محامياً كبيراً.

– شهران ونيف ولم تنقطع المحادثات يوماً وكان في كل يوم يتسوّل لقاءها لكنه كان يرى ذلك اللقاء يبتعد ويبتعد ويتحدد إلى غد صار مستحيلا حضوره.

كان  خالد” يتعجب ويسأل نفسه كيف بإمكان صديقي رامي أن يصطاد أية فتاة يريدها بينما هو لايزال يحلم بلقاء لأكثر من شهرين لكنه لم يفلح.

 وبلا إرادة رأى نفسه يستحضر حبه الأول في حي الأزهري وكان يومها في الصف الثامن والمعشوقة في الصف السابع. لكنه كان حباً طفولياً لم يترك أي أثر كما ريح عابرة

 وكذلك استلطافه لجارته في حي الزراعة وقد انتقل سكناه إلى هذا الحي الأرستقراطي بحسب قوله.

 وحده الصوت الليلي من تمكن من حركاته وأصبح لا قدرة له على مغادرته.

 – كان يرى في أبيه الطامح أنموذجاً للكفاح. وحينما قرر والده السفر إلى الخليج أودع زوجه أمانة الأسرة في غيابه. وبعد عامين من سفره اشترى بيتاً في حي الزراعة وراح يقلد الأغوات فيتكلم همساً ويمشي وئيداً وينتظر شذراً ويتبختر في سيارته الأمريكية كأي استقراطي متباهياً.

 وظلت وفاء” صاحبة الصوت هي التقويم الزمني بالنسبة له. وخيّل له في لحظة ترف مشاعر أن صاحبة هذا الصوت تشبه أمه في حنانها فأحبها أكثر .

 يقول : كانت أمي تراقبني. وحدثها ينبئها أنني كمن يغرق في مستنقع آسن وإما صدرت نتائج الثانوية وكنت ناجحاً غمرتها وغمرتنا الفرحة التي لم تكتمل تبختر حلم الحقوق وذلك بسبب رفع معدلات القبول بسبب ” دورة المتوسط” وتمايز المشاركين فيها. فقبل كدارس للغة الانكليزية وحده أبوه من شجعه على ذلك قائلاً : هناك في الخليج يحتاجون الانكليزية . وأنا سآخذك معي إلى هناك بعد تخرجك. لكنه ظل يحلم بالحقوق.

 وفي خضم صراعاته جاءه صوت وفاء يسأله: لماذا أحببتني ولم نلتق بعد؟

 وكان جوابه لماحاً وذكياً .لم أقرأ هذا السؤال في كتب التاريخ ولا الجغرافيا وودت أن تسبر غوره فسألته: يا خالد ، ماذا لو لم أك جميلة  كما صورة رسمتها في مخيلتك وماذا لو أني أكبرك بثلاث عشرة سنة؟

 إنه الحب فكلما أغلقت باباً في وجهه وفتحت باباً للغياب زاد تمسكه بها وحبه وفي عيد ميلاده التقاها..

وهنا تبدع الأديبة سلوى في تأجج الصراع  الداخلي وبخاصة بعد أن رآها وعرفها  وتكاد تعقل لسانه وتصدع رأسه وصرخ داخلياً أنت؟

 كانت تنظر بعينين لا تشبهان عيني أنه. وبشفتين مكتنزتين تمجان سيجارتها بشغف ومتعة لا تشبهان شفتي أمه وإذا رآها تتملل انتفض وأحاطها بشالها الرمادي

داخله الشوق لاتخاذ القرار الذي يرغبه و قد صعقته معرفتها, إنها مدٍّرسته لمادة الفلسفة وانظروا إلى إبداع الروائية في تصوير لحظة القرار.

تقول: كان اتخاذ القرار لحظة فاصلة بين الحقيقة و الحلم. إنها مدرسته اختارته ومن بين الطلاب الستين ليكون عشيقاً.

و يبدأ الصراع، تناول هاتفه و اتصل بها ليزيل الوحشة عن روحه و ليعترف لها بحبه الكبير رغم كل الفوارق وكان ردها أسرع من صوت الرفنين فأحس بالمسؤولية الأخلاقية تجاهها, قرأ لهفتها و قال :

أحبك وأشتاقك غداً أكثر من يومي وأمسي.

هذه هي “دلال” المدرٍّسة ” وفاء” الساهرة حتى الصباح بأحاديث عشقية.

وفي لحظة حيرة تساءل: هل أشك في حبها. وهل يمكن لامرأة أن تكون مخادعة؟

وذات حديث غاضب سألها عن سبب هذا الحب. ولماذا أحبته.

وجاءه الجواب صاعقاً: فقط لأرضي فضولك.

رد بعصبية وهبل صبياني ليشعرها بأنه حر في تعامله معها لكن نظراتها كانت متيقظة .

حدَّق بها وقال: هل تعلمين بأنك جميلة؟

أجابت بابتسامة واثقة: أعلم هذا. وكلماتك زادتني جمالاً.

وتتابع الأديبة سلوى سردها الاعجازي فتقول: لكل شيء نهاية ولكل نهاية انتظار لبداية جديدة. وتتابع على لسان العاشق: لقاءاتنا أضحت مملة حتى كراسي  القش ما عادت راغبة في احتوائنا. وعامل القهوة يسارع لرصف فنجاني قهوة على طاولتنا.

كان يتابعها بعد أن تغادره. أراد أن يعرف سكنها. ثم يقف في الجهة المقابلة ليتأكد من وحدتها في بيتها حتى إذا ما قدٍّر له  زيارتها رآها ترتدي ثوباً فضفاضاً , فيقول واصفاً ذلك : لقد شممت رائحة الفسق من أنوثتها. جسدها متحرر من الأحزمة و القيود. يقول سألتها و قد وقفت أمام مكتبتها العامرة: هل قرأت كل هذي الكتب.

فكان الجواب: بل أكثر .وأكثر.

وتبدع الأديبة في النقلة التالية:

نقول على لسان العاشق: جلسنا نحتسي القهوة. وتكلمت كثيراً ربما سمعت بعضه و ربما لم أسمع أكثره و شعرت بأنه الفارق الزمني ما بين عمرينا يحاسبني و إما وقعت عيناي على وصورة لطفلة في ثياب زفافها ونظرات الرجل تقول غادر. سأقتلك دفاعاً عن كرامتي .

سألت نفسي: لماذا أنا في هذا المكان؟

سأكتفي بهذا القدر من القراءة في جزء من أجزاء الرواية التي ما تكاد تفارقها لأمر مستجد حتى تعود و الشوق يدفعك إلى المزيد من أحداثها.

إنها بحق رواية مدهشة.

أتمنى للروائية سلوى إبراهيم المزيد من الإبداعات في إصدارات قادمة.

 سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار