الوحدة: 10- 2- 2022
في المكتبة العمومية في المركز الثقافي باللاذقية عقدت رابطة القصة القصيرة جداً في سورية ملتقاها الشهري في المكتبة العمومية في المركز الثقافي في اللاذقية وكان مخصصاً لمناقشة مجموعة قصص قصيرة جداً للكاتب اللبناني سعيد أو نعسة، حيث أدار اللقاء رئيس الرابطة الكاتب د. محمد ياسين صبيح، وقدمت في اللقاء مجموعة قراءات للقصص, قدم فيها الكاتب عمار طاهر صالح قراءته لعدد من القصص القصيرة جداً، بين فيها دلالات النصوص وعمقها الذي اعتمد على مواضيع كثيرة، وعلى الإيحاءات الجميلة، كما بين بعض الملاحظات على صياغة النصوص، كما في نص “الهدف” / لم تكن لوحة جدارية خارقة للعادة:/طفل يحتمي بأبيه خلف البرميل./غضب الجنود/…مزقوا تفاصيلها./ وعجب المارة: /كيف لم يصب البرميل بأية رصاصة؟” حيث بين الكاتب عمار صالح أن النص قدم مشهدية سردية يرصد بها لقطة مؤثرة جدا (استشهاد الطفل محمد الدرة) واستثمار هذا المشهد في قالب قصصي مفعم بالألم وتسليط الضوء على همجية المحتل وساديته في تصفية أي مقاومة ولو كان حامل الشعلة طفلاً صغيراً لكنه في أعين الجبناء ثائر مغوار وهو حقا كذلك، وقد أمطروه حقداً وغيظا، فكانت ملحمة بطلها هذا البطل ورمزا للكفاح والبطولة, جاء العنوان مناسباً غير كاشف,والسرد رشيقا ورغم رساخة الصورة في أذهاننا لكن الكاتب استطاع من خلال القفلة أن يلفت انتباهنا إلى عمق الفكرة التي ارتكز عليها.
كما قدم الكاتب ياسر أبو عجيب أيضاً قراءته للنصوص، حيث عبر عن إتقان الكاتب للسرد القصير جداً، وعن مقدرته على صياغة نصوص عميقة، فقدم قراءة للنص / قبقاب جدّي/ وبين أن الكاتب أبو نعسة قدم فيه أسلوباً ساخراً ممزوجاً بفضاء المكان.”قبقاب جدّي”: /رائحة مرحاض المسجد أنستني دعاء الدخول إليه / قدمي اليسرى عرقلت اليمنى.. منعَتها من التقدم /كرسي السيراميك القذِر استقبل رأسي برَضّة قوية/ أرى شخصا يجسّ نبضي /شيخ الجامع يضرب كفا بكف… يحوقل… ينعتني بالتهور/لأول مرة أكتشِفُ أن بسمتي جميلة”.فقال ياسر أبو عجيب بقراءته للنص:إن عنوان النص جاء مركباً من كلمتين, القبقاب وهو حذاء ذو نعل خشبي يستخدم في الحمامات القديمة وفي بعض اﻷماكن كالمساجد للوضوء وكلمة الجد أب الأم, أو الأب , وهنا يريد الكاتب أن هذا الحذاء ميراث قديم الاستخدام وما أشهره قبقاب “غوار” وبين أبو عجيب بأن الكاتب قدم نصه بأسلوب ساخر فيه مفارقات للمكان الموجود فيه, وكيف أنسته الرائحة النتنة دعاء ,ويكمل القدر سخريته مع البطل بالعرقلة والسقوط الذي أصابه والصدمة على الرأس والمشهدية الكاملة لشخص يجس نبضه وشيخ يضرب كفيه,وكل ما حصل له جعله يبتسم كما أغلب الأشخاص في حالة السقوط العفوي يضحكون على أنفسهم والآخرين أيضاً حتى لو كانت السقطة مؤلمة وهنا القفلة الجميلة للكاتب الذي يكتشف بسمته الجميلة ويبدو أنه لا يبتسم أو لم يتسن له الضحك ﻷمرآخر.
وقدم الكاتب د. محمد ياسين صبيح قراءته لبعض النصوص للكاتب أبو نعسة، وقدم قبل ذلك لمحة عن أساليب القصة القصيرة جداً، فقال:”إن القصة القصيرة جداً تشكل حالة إبداعية مغايرة تماماً لكل الأجناس السردية الأخرى، نظراً لصغر المساحة التي يجب أن تكتب بها، فهي تحتاج إلى أساليب مختلفة، وصياغات مختلفة، تشمل استخدام العديد من التقنيات، وأهمها التكثيف، ومن ثم الإيحاء وعدم تكرار الجمل أو الكلمات ولا ننسى أن تمتلك قوة الدهشة والمفاجأة في المفارقة التي يمكن أن يدرجها الكاتب في نهاية نصه. ثم قدم قراءة لقصة “قرش”: لم أنسَ عدّ أولادي وهم يصعدون إلى مركب الهجرة / ولم أنسَ عدّ الركاب المتحاشرين حولي/ولم أنسَ رفع عقيرتي بدعاء السفر/نسيت أمرا واحدا فقط: أن أقتل الربّان”.
قال إن النص يتمتع بقوة دلالية عميقة، ويأخذنا إلى عالم أخر، من التوتر والأمل واللهفة، فيبدأ من العنوان بإعطائنا إيحاء قوي باتجاه السيطرة والبطش والقوة,ويسبر أغوار النفس وانشغالاتها لحظة الهروب من شيء ما، في هذه اللحظة يبدأ عد الركاب كنوع من الضرورة لقتل الوقت الذي يمر كالسيف، وكذلك بالدعاء، لأنه حاجة المحتاج والمغيب عن قوة فعله الذاتية، وهنا تأتي المفارقة الميزة (نسيت أمراً واحداً فقط: أن أقتل الربّان). هنا يخلط الأوراق كلها ويعيد تشكيل الدلالة، فبدل أن نتوقع الدفع باتجاه إكمال الإبحار والهجرة، نجد فعل قتل الربان، وهذا يعطي المتلقي عدة تأويلات مهمة، ومنها أنه اكتشف أن الربان كان محرضاً على الهجرة لأسبابه التجارية، وثانياً أن الربان يمثل قوة الشر التي سببت له الكوارث وأجبرته على الهجرة وذلك بما يتماهى مع العنوان (قرش)،وثالثاً أن الربان كان يستخدمهم دروعاً لأهدافه المالية أو الأسباب الأخرى. كما ناقش د. صبيح نصأً ثانياً بعنوان “كرسي” يقول فيه:”بعد أن أدرتُ له خدي الأيسر صفعني فتدحرج عقالي /هرع الأطفال خلفه.. /حزنوا إذ لم يدركوه /دققتُ في المرآة.. فرِحتُ كثيرا.. عثرت لصافعي على الخد الثالث.. ووجدت العقال تحته”. حيث قال د. صبيح إن الكاتب يأخذنا نحو ثقافات عدة، ثقافة التسامح التي يجب أن نتمتع بها،وفي تناص مع مقولة السيد المسيح،وهذه حنكة من الكاتب ليتب أفكاره بعد ذلك في تسلسل مغاير تماماً لما قد يخطر ببال المتلقي، فالعنوان أيضاً يشكل حالة دلالية متعددة، وقد يكون هنا مؤشراً كبيراً على إخبارنا بالمعنى قبل القراءة، وهذه حالة قد تطيح أحياناً بالنص وتخرجه من دائرة التشويق،أما النص فنجد أن الرؤية المغاير للتناص هي في تدحرج العقال، والمعروف أن العقال هو رمز الرفعة والتقدير والاحترام، ولكن هنا يتدحرج في إشارة على حالة من ضياع القيم وسلب الذات الشخصية التي يجب أن تكون، لدرجة أن الأطفال لم يدركوه، وهذا يدل على قوة الصفعة وقوة البأس الذي يتعرض له.
وأجمع الكتاب على أن الكاتب أبو نعسة، يكتب قصة قصيرة جداً بشكل جميل وممي رغم بعض الملاحظات على بعض الصياغات التي شابت بعض النصوص، مثل التكرارات لبعض الجمل والكلمات، وشاب بعض النصوص ضعف الحدث، مثل نص /بعث/ ونص ساعة، ثم دارت بعض.
سلمى حلوم