الوحدة 13-1-2022
في بوحه الدائم وبحثه المستمر عن نوافذ يطلّ منها, يسطر ويرسم أبديته التي يحلم أن تظل, يحاول أن يمازج روحه في حياته وحبه وشغفه وحزنه، توالٍ من صور أراد أن يرى نفسه فيها دائماً ولهذا كانت السينما … السينما.. صندوق الدنيا, بقيت هذا الشغف الذي لم يخبُ يوماً لأن بها تجارب الإنسان والآخر في جدلية فكرية أطرت الهوية ورسمت ملامح كل بقعة تواجد عليها هذا الإنسان، وكما لكل أمة عواملها المشتركة في العيش, كذلك لكل شاشة سينمائية هوية خصصتها عن غيرها وكان ناسها يتحدثون لغتها ويطرحون حياتها, فكان ما يسمى بالسينما العربية والسينما الهندية أو الإيرانية أو الأوروبية أو الأميركية أو الفرنسية… إلخ, وكما إنها في المحصلة تجمع تجارب الإنسانية وحكاياها الماضية والحاضرة والمستقبلية إلا أنّ الفروق كانت واضحة تميز كلّاً على حده بمواصفات تحمل صبغة صانعيها، ومع أن الهدف النهائي في هذا النوع من الفنون ومجال صناعته هو الربح المادي إلا أن هذه الصيغة الفنية تحمل معها أشكالاً ونمطية التفكير السائد لكل مجتمع وقضاياه, فإذا أردنا أن نتناول هنا تلك الخصائص والفروق ما بين السينما الأميركية والأوروبية على الرغم من أن البعض يجمع ما بينهما في بوتقة واحدة إلاّ أننا نلاحظ أن الفروق جمّة وكثيرة, ففي أوروبا وطوال القرن العشرين وانتقالًا إلى القرن الواحد والعشرين، كانت النظرة فيها إلى السينما كشكل من أشكال الثقافة عبر بوابة الفن حيث يقدم الفيلم كقيمة ثقافية قابلة للتحليل والمناقشة وتبادل الآراء, وفتحها باب النقاش الذاتي أو مع الآخر بإشغال العقل وتحريضه جعلها تصنف في العالم مع السينما الآسيوية بسينما (النخبة)، أما المواقع الأميركية فتضع السينما ضمن قوالب الترفيه, لأن السينما الأمريكية وكما توصف تهتم فقط بالمردود على حساب المضمون والهدف، وأن 80% من الأفلام التي تعرض ينساها المشاهد بعد خروجه مباشرة من السينما، و20% فقط من تترك أثراً في عقلية المشاهد ,فهي توصف وتتهم بسينما التسلية والألوان والبهرجة والمغامرات، والبطل الذي تقدمه يتصدر لمدة طويلة اهتمام الجمهور. لهذا كان كل إنتاج سينمائي ينتج صبغة صناعية سينمائية تختلف في أدواتها ومعاييرها وكل أدوات التأثير المباشرة وغير المباشرة, فالسينما الأوروبية عبر مدارسها المتنوعة (الطبيعية في ألمانيا والواقعية في ايطاليا والواقعية الجديدة في فرنسا وغيرها) عملت على ترسيخ مكانة الفيلم الفكرية والجمالية وتراكمات القراءات النظرية لهذا الفن ولم تضع فاصلاً بين الفيلم والنظرية.
واعتمدت كلاسيكية البناء مختزنة الواقع الحياتي في صناديق التراث، كما استخدمت البنى الرمزية بطريقة واقعية عبر مفردات اللون والحركة والشكل والبناء المكاني، وحرصت على نقل الواقع على شكل صورة فيها الكثير من المصداقية لمجتمعاتها التي جرت بها هذه الوقائع والأحداث كصورة من صور المجتمع.
وبالرغم مما يؤخذ على السينما الأوروبية من ناحية الانطباع العام على أنها سينما بطيئة ،حيث أيد هذا الانطباع الكثير من الآراء الأمر الذي أثر وأنتج لاحقاً العديد من الأفلام الأوروبية ذات الوتيرة السريعة والتي استخدمت التكثيف المستمر, وسعت فيه للتواجد في الإنتاجات الأمريكية في عدة مجالات من الإخراج والكتابة إلى التمثيل الأمر الذي أضاف للسينما الأوروبية مزيداً من التفوق على السينما الأميركية من ناحية القيمة والرسالة والإنتاج، رغم أن التكثيف صفة السينما الأميركية وهو ما يضعها في خانة السينما التجارية دائمًا في هوليوود حيث هو أنسب أسلوب للترفيه ,لكن من زاوية الرأي الآخر الذي يعتبر أن هذا التكثيف وكما يراه الكثيرون بأن السينما الهوليودية تتفوق على نظيرتها الأوروبية بعدة نواحٍ، مع اختلاف كبير في الطروحات والأفكار المعالجة، وطرق تقديمها وتوظيفها، ويضاف إلى ذلك أيضا المتابعة الجماهيرية الكبيرة للسينما الأمريكية, ولكن تبقى السينما الأوروبية تحتل موقعاً مرموقاً في الساحة السينمائية العالمية, لكنهما يجتمعان في واقع بأن كلتا المدرستين تواجهان تحدياً دائماً وهو تطور عقل مشاهديهم، ولذلك أصبح على كل مخرج لزوم تطوير أسلوبه وقواعده, وزيادة تعقيد أفلامه عن المعتاد أو تجريب طرق جديدة لعرض وتعقيد الأحداث أو زيادة التأمل بالقيمة الثقافية المطروحة إن كان سيلاقي نفسه فيها أو يبتعد !
هل ستظلّ هذه الفروق السينمائية والفنية في ملاحظاتها كماهي أم ستتلاشى أو ستزداد في عصر يتسارع بشكل مهول, نحن الآن في عصر الإنترنيت ووسائل الاتصال الجماهيري, العالم الإنساني يصارع خطواته للحاق بالركب العالمي والتفاعل الجماهيري والإنساني معه سيكون له أثره الفاعل في تكوين ثقافي سيكوّن شكلاً نمطياً آخر للسينما بمفاهيمه المتعددة والمختلفة والمستقبل سيجيب عن تلك الصناعة والصيغة والهيكلية ليس للسينما فحسب إنما لصبغة الإنسان نفسه.
سلمى حلوم