الوحدة 11-1-2022
مازال الخلاف بين صديقين مسنّين، والّذي بدأ منذ دخولهما مقبرة المدينة، لشراء مد فذين متجاورين، وعلى مقربةٍ من إقامة الحارس هرباً من العابثين.
سبب الخلاف أنّ أحدهما نجح في اختيار ربوةٍ صغيرةٍ يُمكن لشاهدة القبر بعد بنائها أن تُظهر للجميع.
أمّا الآخر فكان نصيبه في حفرة! ممّا اضطرّه أن يعرض مبلغاً كبيراً مقابل حصوله على ربوة صاحبه، أو على الأقلّ إفشال الصفقة، وهذا ما حدث.
ما بين ارتفاعٍ وانخفاضٍ، عَلّتْ أصواتهما وكادا يتعاركان كغصنين في ريحٍ مجنونةٍ، لولا تدخل أحد قُرّاء المقابر الجوّالين بعرضٍ مُغرٍ دفعا فيه مبلغاً يعادل مأدبةً عامرةً!
في النّهاية: نال العرض قبول الطّرفين، على أنْ تكون الرّبوة لمن يتوفّى أوّلاً.
أما الآخر فعليه ترميم الحُفرة وإصلاحها، بعدها تعّهد القارئ بزيارة قبريهما وتقديم خدمات الزّيارة والدّعاء لهما مناصفةً.
بعد مضّي يومٍ أو بعض يومٍ، بلغ نبأ وفاة الوسيط الجوّال مسمع الصّديقين، فتشاركا في دفنه على الرّبوة المتخاصم عليها، وقد شغلتهما الحفرة وما يحدث فيها من حفرٍ ونبشٍ استعداداً لوافدٍ جديدٍ.
ما كان من الصّديقان إلّا أنْ بدأ ا من جديدٍ وفي مقبرة أخرى، لا ازدحام فيها ولا أسوار تحيطها، وقبورها ببساطتها تكاد تطوي السّماء أمّا الأرض فتتّسع للحياة وللموت معاً، وكأنّها بحرٌ يبتلع السّلالم الاجتماعيّة، وما بقي منها تكسره الأمواج إلى ذكرياتٍ متناثرةٍ.
سمير عوض