الوحدة : 16-12-2021
انطلاقاً من أهمية الأدب في حياة الشعوب ودوره الهام في تسجيل الأحداث والمواقف اليومية التي تشكل بتراكماتها تعاقب الحضارات على تاريخنا بقديمه وحديثه، أجريت العديد من الدراسات حول هذا الدور ومنها دراسة في أدب الأطفال المترجم قدم فيها د. أيمن دراوشة، عدة محاور أوجز فيها مجموعة من النقاط الأساسية، وجاء في مقدمتها أنه: في السنوات القليلة الماضية نال أدب الأطفال عناية كبيرة من الأدباء والكتّاب، وكان للتطور التكنولوجي الهائل في الأجهزة المسموعة والمرئية الدور الأكبر في جذب الأطفال إليها على حساب الكتاب الورقي، وترتب على هذا الأمر مسؤولية عظيمة على المؤلفين الذين يكتبون للأطفال، وكان عليهم بذل جهود مضاعفة لإعادتهم إلى الكتاب الورقي. لهذا حرص المؤلفون على إنتاج أدب أطفال يمتاز بالإثارة والمتعة ليستطيع منافسة الوسائل الجذابة الأخرى التي تقدم هي الأخرى أنواعاً من أدب الأطفال. وعلى الرغم من الاهتمام به إلا انه ما زال عاجزاً عن تلبية حاجات الأطفال الوجدانية والعقلية. ولا يعمل على تنمية طاقاتهم الإبداعية، لذا كان لا بد من الاستفادة من خبرات الآخرين، وكان ذلك عبر ترجمة الكثير من المؤلفات العالمية الخاصة بالأطفال.
وعن مفهوم أدب الأطفال وتعريفه ومهامه ودوره الريادي في تشكيل شخصية الطفل وسلوكياته الحياتية ، ذكر الباحث : أن أدب الأطفال يتميز عن أدب الكبار في أنه يحتاج للالتزام بشروط تربوية وثقافية من قبل الكاتب، فعليه أن يراعي السياق التربوي، وأن يتجنب غريب الألفاظ ومجاز الأساليب وأن يجعل جمله قصيرة تدع الفرصة للقارئ، أو السامع لإدراك الحوادث وتخيلها، وأن يختار من الألفاظ ما يثير المعاني الحسية بغير مبالغة وتفصيل.
فأدب الأطفال هو : خبرة لغوية في شكل فنّي من التعبير الأدبي، له قواعد خاصة، ومناهج خاصة، يأتي في صور مختلفة، وأشكال متعدّدة، وموجه لفئة معيّنة…، وله قاموس لغوي خاص، ويتمشى هذا الأدب مع قدرات الطفل، ليجعل منه كائناً اجتماعياً وتربوياً، ليتكّيف مع مجتمعه وعصره . ويمكن الكتابة للأطفال شعراً أو نثراً، ويحكى على لسان الإنسان أو الحيوان أو الجماد، ويمتاز بالخيال الممتع، وبمضمون تربوي يهدف إلى تنمية المعرفة لدى الأطفال، ويحقق لهم المتعة والإطلاع على تجارب الآخرين.
وبيّن الباحث أن أدب الأطفال يعتمد على العديد من الوسائل والمصادر ليحقق الغاية التربوية والاجتماعية المرجوة منه ، ومن هذه المصادر التي يستند عليها : القصص الخيالية التي
ترتكز على استثارة ملكة الخيال لدى الطفل، فتنقلهم على بساط الريح إلى عوالم عدة، فالشخصيات قد تكون من عوالم غير بشرية ومع ذلك تتكلم وتشعر و لديها قوى خارقة وقد تتعامل مع الزمان والمكان بصورة غير منطقية. وتفتح القصص الخيالية للطفل فضاء ممتداً من التفكير، وتنمّي خياله، ففيها قصص المغامرات والأساطير، وقصص الحيوانات التي يصغي لحواراتها، ويفتش بين سطورها ليلتقط نتيجتها ويستخلص عبرتها.
أما المصدر الثاني الذي يستمد منه أدب الأطفال استمراريته وغناه وتنوعه فهو – بحسب رأي الباحث – الترجمة التي تشكل حلقة وصل بين الحضارات، ووسيلة تحاور بين الثقافات، وهي نشاط مهم في حياة الأمم قديماً وحديثاً.. كما وأنها مفتاح الحداثة، لكل تطور حقيقي يتيح للغة أن تثبت وجودها وتتحول من أداة للتواصل إلى مصدر فكري وثقافي هام. ويؤكد الباحث أن الترجمة للأطفال أمر لا غنى عنه لتزويد أطفالنا بالمعلومات والأفكار التي تتلاءم مع الفئة العمرية، ومنحه فرصة التواصل مع ثقافات العالم المتنوعة والتفاعل الإيجابي معها. كما أن الترجمة تسد نقصاً في مكتبة أطفالنا ، رغم وجود كتّاب كبار يكتبون للأطفال، وأثّروا المكتبة العربية بالكثير من الروايات والمسرحيات والقصص.
وأورد الباحث – في سياق عرضه لأهمية الترجمة ومكانتها في أدب الأطفال – مثالاً عن القصص الواجب ترجمتها كنموذج مثالي يحقق الأهداف والنتائج المطلوبة من هذا النوع من الأدب تربوياً واجتماعياً وحتى تعليمياً . وهذا المثال هو قصة : كيف صعد الضّفدع إلى السماء؟ حيث تدور الأحداث على لسان الضفدع عبر مقولة هامة أراد إيصالها وهي أنه : مهما يكن الأمر! فأنا أستطيع القيام بذلك، فقط إذا حاولت ، فالمبادرة إلى الفعل تحقق المستحيل . وتشمل القصة مجموعة من الشخصيات الإنسانية ومن مملكة الحيوان ومن الشخصيات الخيالية، وهناك شخصيات رئيسية وثانوية حسب الدور المنوط بها. ومن حيث المضمون : فقد كانت الأحداث متسلسلة ومترابطة ومتماسكة، ومثيرة وتدخل السعادة على نفوس الأطفال، وتساعد في توسيع مداركهم، وهي قصة تربوية هادفة بشخصياتها المتنوعة أما النهاية فقد فازت فيها الشخصية المجتهدة والقادرة على العمل والتفكير الصحيح.
ورأى الباحث في الخاتمة أن القصة ستحدث تأثيرها الإيجابي والعميق على الأطفال، فهي تزيد خبرتهم و مقدرتهم الفكرية، وتشبع فيهم حب الاستطلاع لمعرفة ذواتهم، ومعرفة البيئة حولهم وما يدور فيها. كما أنها تشبع خيالهم، وتهبهم المتعة والتشويق ، فترجمة القصص الخيالية تحقق ذلك، فهي تمنح الأطفال الفرصة ليعيشوا حياة الأبطال التي يتشوقون ليحيوها على أرض الواقع للقيام بأعمال البطولة والمغامرة. فالأدب القيم هو من يتناول العواطف الإنسانية، ولا يهمل بالطبع الجوانب الأخرى التربوية والتعليمية والترفيهية.
فدوى مقوص