الوحدة: 15-12-2021
على قمة قاسيون وقفت أورنينا مغنية معبد عشتار وكأنها قائد “أوركسترا”يستعد لإعطاء فرقته الموسيقية إشارة البدء، كان الفضاء يضج بصوت أزيز الرصاص ودوي القنابل وهدير المحركات، رائحة الدخان والبارود تملأ المكان، التمع في عينيها حزنٌ دفين وتنهدت بألمٍ يمازجه التصميم والأمل رفعت يمناها وأشارت نحو الشرق، بدأت أمواج الفرات تتعالى في تلاطمها بينما امتلأ الأثير بأصوات الشباب والصبايا يغنون تراثهم الفراتي العتيق:
عالمايا عالمايا عالعين ياملّاية يابنية بالله سقيني عطشان سقيني ماية
ياويل ويلي منها هالشاغلتني بسرها والله لاتبع أثرها مهما تكون النهاية.
أشارت أورنينا بيسراها نحو الغرب فاستجاب البحر رافعاً أمواجه وباسطاً مده نحو الرمال التي احتضنته وتمايلت معه على أصوات الصيادين يهزجون بتراث بحرهم وشباكهم:
يا ماحلى الفسحة يا عيني على راس البر
والقمر نوّر عيني عيني عيني على مو على موج البحر
قلّي تعالي يا شاغلة بالي كوني حلالي على طول العمر
والقمر نوّر عيني عيني عيني على مو على موج البحر.
من جبال الساحل خلف البحر ضَجَّ حفيف أغصان السنديان الواقف منذ الأزل وتصعدت أغنية الدلعونة تملأ الأفق على وقع دبكةٍ تتشابك فيها الأرواح قبل الأيدي:
على دلعونة على دلعونة راحوا الحبايب ما ودعونا
دلعن دلعونا دلعن دلعونا ما رح ننساكم يلي نسيتونا
يلي هاجرني ببلاد الغربة ريحة منديلك زهر الليمونا.
بدأ وجه أورنينا يشعُّ بنور الشمس المتسلل من خلال الدخان الذي بدأ بالتلاشي وأشارت بيدها نحو نهر العاصي، أخذت النواعير تدور بقوة وكأن خشبها العتيق بُعِثَتْ فيه الحياة من جديد بينما انبعثت من حنايا السهول أغنية العاصي المرتبطة أبداً بعنين النواعير:
سمعت عنين الناعورة وعنينا شغل بالي
هي عنينا عالميَّة وانا عنيني عحالي..أووووف يابا
ناعورة عنينك ذكرني بماضينا الحلو فكرني
ولاإيمتى حايصبرني يلي غيرو مايحلالي..أوووف يابا.
اتقدت عينا أورنينا وأشارت إلى الشهباء حيث يشمخ تاريخ تختزله قلعةٌ راحت أحجارها تصدح بما صدحت به حناجر أهلها المتفردة بعذوبة قدودها:
يامال الشام يالله يامالي طال المطال يا حلوة تعالي
لوالمطال طال وطول لا بتغير ولا بتحول
مشتقلك يا نور عيوني حتى نعيد الزمن الأول.
استدارت أورنينا نحو الجنوب حيث تمتد سهول حوران الموشاة بحجارة جبل العرب السوداء، ترنمت السهول والحجارة بأغنيةٍ لطالما ترددت في أزقة وساحات القرى الجنوبية:
لاكتب ورق وارسلك يلي مفارق خلك
بديرتك بعد وجفا بديرتي أحسنلك
بديرتي بترتاحِ يا بو العيون ملاحِ
عقلي شرد وراحِ من شوفتي أمس لك.
تبدد الدخان حيث تقف أورنينا وتوقفت أصوات القنابل والرصاص، عادت لمعة الإرادة إلى عيني أورنينا، شمخت في وقفتها فوق جبل الشموخ و رفعت كلتا يديها مرسلةً إيعازها عبر الأفق في كل الجهات ليتردد في فضاء الوطن على امتداد أرجائه بترابها وحجرها وبشرها صوت أغنيةٍ أضحت تراثاً وهويةً منذ لحظة غنائها:
سوريا يا حبيبتي أعدتِ لي كرامتي أعدتِ لي هويتي.
شروق ديب ضاهر