يا حادي العيس عرّج كي أودعهم…

الوحدة: 15- 12- 2021

 

عرفت أغنية (يا حادي العيس) بأنها أشهر الأغاني منذ العصر العباسي وحتى يومنا هذا وأبرز من غناها جارية بنت المهدي التي عرفت بصوتها العذب، وكان أول من غناها في العصر الحديث المطرب العراقي محمد القبانجي وذلك في عام ١٩٥٦م، وعادت الأغنية إلى الأضواء مره أخرى في التسعينات عندما غناها الفنان العراقي ناظم الغزالي ومن بعده سعدون جابر، كذلك وقد عرفها كثيرون في مختلف أنحاء الوطن العربي بصوت الفنان الكبير الراحل صباح فخري،  وهو الذي لحنها أيضاً.

 ولهذه الأغنية قصة قديمة اختلف فيها المؤرخون على هوية الشاعر الذي نظم قصيدة يا حادي العيس (وحادي العيس هو ماسك حطام الإبل عند السفر وقائد الركب من القوافل) لكن العديد منهم قالوا إن راويها شاعر مجنون كان حبيساً في دير للمجانين يسمى (دير هرقل) ذكرت قصة مجنون دير هرقل في العديد من المراجع التاريخية منها كتاب (مصارع العشاق) لجعفر بن أحمد السراج البغدادي الذي روى القصة بسند عن عبدالله بن عبد العزيز السامري، ويحكي السامري أنه مرّ مع صاحبه على دير هرقل فأراد أن يعرجا على الدير ويستكشفا ما بداخله فلما دخلا شاهدا شاباً حسن الوجه، بهي الطلعة مقيداً بسلسلة إلى الجدار فعجبا من أمره وتساءلا كيف لمثله أن يكون مجنوناً؟ وخاصة وأنه بادرهما بتحية بليغة لا يصدر مثلها من فم مجنون فسأله السامري ما تصنع في هذا المكان الذي أنت لغير أهله؟ فأنشد الشاب أبياتاً قال في مطلعها: الله يعلم أنني كَمِدُ.. لا أستطيع أبثُّ ما أجد

نفسان لي: نفس تضمّنها.. بلدٌ وأخرى حازها بلدُ

أمّا المقيمة ليس ينفعها.. صبر وليس بقربها جلد

وأظن غائبي كشاهدتي.. بمكانها تجد الذي أجد

أعجب السامري وصاحبه ببلاغة الشاب لكنهما سرعان ما هما بالرحيل، فناشدهما الشاب: بأبي ما أسرع ذهابكما.. أعيراني سمعكما ثم أنشد قصيدة يا حادي العيس التي قال فيها :

لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم.. ورحلوها وسارت بالدجى الإبل

وقلبت من خلاف السجف ناظرها.. ترنو إلي ودمع العيس منهمل

فودعت من البين ماذا حل بي وبها.. يا نازح الدار حل البين وارتحلوا

يا حادي العيس عرج كي أودعها.. يا حادي العيس في ترحالك الأجل

إني على العهد لم أنقض مودتهم.. فليت شعري وطال العهد ما فعلوا

ولما قال الشاب (فليت شعري وطال العهد ما فعلوا) أراد السامري وصاحبه مداعبته لينظروا ما يفعل  فأجابوه: ماتوا فقال: أقسمت عليكم! ماتوا! فأكد السامري وصاحبه الخبر: نعم! ماتوا فقال الشاب: إني والله ميت في أثرهم وجذب السلسلة التي كان مقيداً بها فخنق نفسه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة ووفقاً للسراج يعلق السامري على تلك الحادثة قائلاً: والله لا أنسى ندامتنا على ما فعلنا.

كما نسبت هذه القصيدة لمحمد بن القاسم أبو الحسن المعروف بماني الموسوس وهو شاعر مصري سكن بغداد كما نسبت للشاعر كميت بن زيد الأسدي وفضلاً كون شاعرها مجهول الهوية فقد وردت بعدة إصدارات بعضها يحوي على أبيات إضافية تقول: ويلي من البين ما حل بي وبهم.. من ناظر البين حل البين فارتحلوا

لما علمت أن القوم قد رحلوا.. وراهب الدير بالناقوس هل مرت بك الإبل

يا راهب الدير بالإنجيل تخبرني.. عن البدور اللواتي ها هنا نزلوا

فتحن لي وبكى وأنّ لي وشكى.. وقال لي يا فتى ضاقت بك الخيل

إن البدور اللواتي جئت تطلبها.. بالأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا

شبكت عشري على راسي وقلت له يا حادي العيس لا سارت بك الإبل

ليت المطايا التي سارت بهم ضلعت.. يوم الرحيل فلا يبقى لهم جمل.

رهام حبيب

تصفح المزيد..
آخر الأخبار