الأديبة مريم خير بك.. مضامين تعليمية وتربوية وقيمية للأطفال

الوحدة : 15-12-2021

تختصر الأديبة مريم خير بك تجربتها مع عالم الطفولة بالقول: (عندما بدأت الكتابة للأطفال وجدت نفسي أمام أصعب أجناس الأدب كتابة وصناعة، إنه الأدب الذي يتطلب مني دراسة للغة الطفل، وقيمه التربوية ونفسيته، ومجتمعه، والموسوعات العلمية التي توثق لي علمياً العناصر التي أستنجد بها من الطبيعة، ومن ثمَّ كيف أقدم له اللوحات الملونة المتناسبة مع النص والعمر، لأغطي مراحله العمرية كلها بما يناسبها شكلاً ومضموناً وخطّاً….).
ولأن أدب الطفل هام جداً في تشكيل مخزونه اللغوي والمعرفي والتربوي، وتأثيره على شخصيته وبنائه النفسي والأخلاقي، وتلبية تطلعاته الخيالية التي ترتبط بواقعه.. نفرد هذه السطور حول المضامين التعليمية والتربوية والقيمية في النتاج الأدبي الموجه للأطفال عند الكاتبة مريم خير بك – حسب وجهة نظر نقدية قدمها د. هيثم يحيى الخواجة‏- ألقى من خلالها الضوء على أهم الأهداف والغايات المنشودة التي تتضمنها مجموعاتها القصصية.
بداية تحدث د. الخواجة عن مضامين بعض قصص الكاتبة مريم خير بك التي أخلصت في قصصها للطفل وتوجهت من خلالها إلى المراحل العمرية المختلفة مع تركيزها الواضح عن الفئتين العمريتين الأولى والثانية، وانتقل بعدها للحديث عن الهدف الأعلى من القصص عندها، لأن الهدف الأعلى يمثل النتيجة التي يستخلصها الطفل من القصة ويتعلم منها ومن ثم يقرر ما يجب أن يقبل عليه وما يجب أن يبتعد عنه. ورأى الباحث أن الهدف الأعلى في قصص مريم خيربك مركز ومدروس وهو في غالب القصص غير مباشر مما يؤكد بأن هذه القاصة متمكنة من فن الكتابة للأطفال ولديها مقدرة فنية على صياغة حبكة فنية يستنتج الطفل من خلالها أموراً تعليمية وتربوية وقيمية، وفيما بعد استعرض د. الخواجة مجموعة قصص للكاتبة وتوقف عند مضمونها وبين الهدف الأعلى من كل قصة ، كما توقف عند أبعادها ودلالاتها لكي يبين ما وجدته الكاتبة مهماً ومن الضروري أن تقدمه للأطفال من خلال تجربتها التي تتوضح فيها سمات قصصها بشكل عام.
المحطة الأولى كانت مع قصة مدينة الحجارة: في هذه القصة تركز المؤلفة على الثقة بجيل المستقبل وتؤكد بأن نهاية الشر مهما طالت فلابد قادمة، كما تعلم القصة الطفل بأن أصحاب الحق سينتصرون، أما في قصة رحلة زقزق: حكاية عصفور تمنى أن يكون شكله جميلاً على الرغم من صوته الجميل وعندما نال ما تمناه، حلم زقزق أن يذهب إلى المدينة وهناك لمس أنواع التلوث وعبث الإنسان بالبيئة، وهنا تظهر القصة أثر التلوث على الجمال والبيئة والحياة، كما تبرز قيمة التعاون والحب والإيثار والتضحية، وترسخ في ذهن الطفل أن هناك ما هو أهم من المظهر بكثير وأن إنسانية الإنسان أهم من الجمال بكثير، وفي قصتها (ريما الصغيرة): هدفت الكاتبة مريم خير بك إلى الإشارة بأن الأطفال يخافون من بعض الحيوانات مع أن للحيوانات فائدة وفي صداقتهم إيجابيات كثيرة، أما قصة (ما أجمل التعاون): فتبين قيمة التعاون لتحقيق الأهداف كما تظهر أثر الصداقة في الإنجاز والوصول إلى أصعب الأماني وأعقدها. بينما تركز قصة (أرنوب الكذوب) على ضرورة أن يحكي الطفل لأمه ما يفعله بصدق لأن الكذب سيكتشف وستظهر حقيقة الكاذب بكل جوانبها السيئة، وفي قصتها (سلّة من النجوم) غرست الكاتبة قيماً تربوية وتوجيهات تركز على التصميم لتحقيق الحلم، وتبرز القصة أهمية التعاون والمساعدة، و أهمية الشجاعة وضرورة ألا يكون الإنسان أنانياً، والأهم من ذلك كله حب التضحية وتقديم الغالي والنفيس لأولئك الذين يرخصون أرواحهم في سبيل الوطن، وذكر د. الخواجة أن هناك ربط بين الحلم و الواقع في قصص الكاتبة، وهذا الربط يعكس إيجابيات لدى الطفل باعتباره يعيش بين هذين العنصرين اللذين يسيطران على حياته.. وهذه المنطقية تقرب دلالات القصة إليه وتشده إلى أحداثها ومعانيها.. وعلى الرغم من الاتجاه التعليمي لقصة (العصفور يعلّم نور) إلا أن حبكتها الجميلة وسردها المكثف جعل الهدف الأعلى مقبولاً ومؤثراً لدى الطفل، فالإنسان لا يخلق متعلماً إذ لا بد من تكريس الوقت ولابد من الجهد ليحقق أهدافه في التفوق والتعلم والنجاح في مهارات الحياة وأمورها، وركزت الكاتبة في قصة (الفراشات والزهرة) على مقولة إن الاتفاق وقبول الآخر أساس العيش المشترك مع الجميع، وأن الاختلاف طريق الضياع وأن أموراً كثيرة في هذه الحياة يمكن حلها دون الوصول إلى درجة القتال والعراك، وفي قصة (ثلج وأخته ثليجة) أضافت الكاتبة أهدافاً جميلة حول علاقة الأطفال مع بعضهم بسلبياتها وإيجابياتها.
وفي نهاية دراسته حول مضامين قصص الكاتبة مريم خير بك والأهداف الناتجة عن هذه المضامين، أشار د. الخواجة إلى أهمية الالتفات إلى قصص هذه الكاتبة التي تميزت بطباعة أنيقة أغنتها بصور مشوقة ذات ألوان مبهرة، وأكد أن هدف القصة أشبه بالروح في جسد الإنسان وعندما تكون الروح ناضرة فإن ذلك ينعكس على الجسد الذي يغدو مليئاً بالحيوية والحياة، وعندما تكون الأهداف تافهة والمضامين ساذجة فإن الشحوب سيغلف القصة بألف لون ولون، وقد نجحت مريم خير بك في مضامينها كما نجحت في أهداف قصصها فاستحقت هذه الوقفة مع جماليات أدبها الموجه للأطفال بشكله ومضمونه.
الجدير بالذكر أن الأديبة مريم خيربك، وهي من محافظة حماة، تعد من أهم الأدباء في سورية والوطن العربي الذين كتبوا للأطفال، ورصيدها أكثر من 400 قصة و600 دراسة، ونالت الكثير من الجوائز المحلية والعربية والعالمية، وتم ترجمة الكثير من قصصها إلى العديد من اللغات الأجنبية.

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار