قناديل البحر.. دورة حياة وخصائص

الوحدة : 27-9-2021

تتعرض شواطئنا منذ أواخر القرن الماضي حتى وقتنا الحاضر لهجمات من قناديل البحر التي تظهر بأعداد كبيرة جداً، وباتت تسبب عدداً من المشاكل البيئية والخسائر الاقتصادية، والتي تتمثل بالأضرار الجسدية للسياح والمصطافين، كما تؤثر في الصيد البحري من خلال تمزيق الشباك، وافتراس العوالق الحيوانية التي تعد الغذاء الرئيس للأسماك، بالإضافة إلى كونها تتغذى على بيض الأسماك ويرقاتها، مما يؤثر تأثيراً كبيراً في المخزون السمكي، ويُعدّ هذا الازدياد الكبير دليلاً على جسامة التأثيرات البشرية، والتغيرات المناخية والبيئية، والتي أدت إلى حدوث خلل وانزياح في الشبكة الغذائية البحرية، من الأسماك باتجاه قناديل البحر، وأسهم غياب الأعداء الطبيعيين من السلاحف البحرية وبعض الأسماك التي تتغذى على قناديل البحر ويرقاتها في ازدياد عدد القناديل بشكل كبير.
تنتمي قناديل البحر Jellyfish إلى شعبة اللاسعات Cnidaria وهي من اللافقاريات ذات القوام الهلامي شبه الشفاف، يتكون الجسم في معظمه من الماء، وتملك جوفاً وحيداً هو الجوف المعدي، وليس لها رأس متميز، وإنما منطقة أمامية مجهزة بفتحة وحيدة تجمع بين وظيفتي التغذي والإطراح. يحيط بالفم عدد من المجسات المسلحة بخلايا لاسعة، والتي أعطت لهذه الشعبة اسمها، تتصف الخلايا اللاسعة بصغر حجمها وعددها الكبير، وظيفتها شل الفرائس والدفاع عن الحيوان، حيث تقوم بلسع الفريسة أو الحيوان المهاجم، وبداخلها مزيج من المواد الكيميائية الحاّلة، والحارقة، والسموم العصبية.
تتفاوت نوعية السموم بتفاوت أنواع اللاسعات وأنماط الغذاء، فالأنواع التي تفترس الأسماك تملك سموماً أقوى فاعلية لتشل الفريسة بسرعة وتقتلها، وبالتالي تكون مؤلمة أكثر للبشر.
تميل قناديل البحر إلى الانتشار غير المتجانس على هيئة تجمعات أو حشود كبيرة في المناطق الساحلية، متأثرة بالتغير المناخي، وإذا استمرت ظاهرة الاحتباس الحراري ستكون لصالح القناديل المهاجرة المدارية.

تعد الهجرة عبر قناة السويس، والانتقال بوساطة السفن، من أكثر الطرق شيوعاً في هجرة قناديل البحر الغازية إلى البحر المتوسط، كما تلعب العوامل الكيميائية مثل تركيز المغذيات والتلوث نتيجة النشاطات البشرية دوراً كبيراً في زيادة حمل الملوثات البيئية والهرمونات، والمغذيات، والتي تُرمى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الأنهار الساحلية، وتصب في النهاية في البحر، وبالتالي في زيادة الكتلة الحيوية في المستويات الغذائية جميعها، بدءاً من العوالق النباتية، إلى العوالق الحيوانية.
تتميز قناديل البحر بالقدرة على الاستجابة السريعة لزيادة الإنتاج الأولي والثانوي، وذلك عن طريق زيادة معدلات استهلاك الغذاء، وبالتالي تنعكس على زيادة معدلات النمو والتكاثر، على عكس الاستجابة البطيئة للعديد من الأسماك والكائنات الحية الأخرى التي تتغذى على النوع نفسه من الغذاء، كما يؤثر الصيد الجائر واستنزاف الثروة السمكية في زيادة عدد قناديل البحر ازدياداً غير مباشر عبر إقصاء الأنواع المفترسة للأطوار البالغة وغير البالغة من قناديل البحر، مما يسمح بتزايد عددها، وتراجع المنافسة مع الأسماك التي تتغذى على الغذاء نفسه، ويؤدي زيادة أعداد قناديل البحر إلى تراجع مخزون الأسماك، بسبب زيادة معدلات استهلاك القناديل للعوالق الحيوانية، ومن ضمنها بيض الأسماك ويرقاتها، كما يؤدي انخفاض أعداد السلاحف البحرية التي تتغذى أساساً على قناديل البحر، إلى خلق عدم توازن لصالح القناديل وزيادة أعدادها.
يُسهم استغلال الشواطئ استغلالاً مكثفاً من قبل البشر، عن طريق بناء المرافئ، وإقامة الحواجز الاصطناعية، وكواسر الأمواج أمام المرافئ، إضافة إلى ردم الشواطئ الرملية، في خلق بيئة مناسبة وشروطٍ مثالية لتثبت بوليبات قناديل البحر وحضانتها على هذه البنى والمنشآت الاصطناعية قرب الشواطئ، وبالتالي زيادة معدلات التكاثر اللا جنسي.
ينتمي النوع Phyllorhiza punctata إلى شعبة اللاسعات Cnidaria، وصف الفنجانيات Scyphozoa، ورتبة جذريات الفم Rhizostomeae، ويُعرف بالقنديل الاسترالي المبقع، ويعدّ من قناديل البحر كبيرة الحجم نسبياً.
يملك مظلة هلامية نصف كروية، عديمة اللون، مع سطح حبيبي ناعم، ثخينة جداً في المركز وتقل ثخانتها تدريجياً باتجاه الحواف التي تتألف من 80 طية غشائية هامشية، يمكن أن يصل قطر المظلة في الأفراد البالغة إلى أكثر من 50 سم. تنتشر على السطح العلوي للمظلة مجموعات متعايشة من الخلايا النباتية وحيدة الخلية Zooxanthellaeصفراء اللون، وهي التي تُكسب اللون البني المصفر للمظلة، كما تنتشر أيضاً في المادة الهلامية القريبة من سطح المظلة جسيمات بلورية بيضاء تعكس الضوء بشدة، مما يكسب هذا القنديل مظهراً مرقطاً مميزاً.
يتميز قرص الذراع بسماكته، وشكله المثمن، وبكونه أعرض قليلاً من نصف قطر المظلة، ويتفرع إلى ثمانية أذرع فموية، كل ذراع ثلاثي الأجنحة ريشية الشكل، وبنية اللون، ويبلغ طولها ثلثي قطر المظلة، وتتزود الأجزاء السفلية منها بعديد من الخيوط الطويلة المستدقة عديمة اللون.
يعيش هذا القنديل من 8 إلى 10 أشهر فقط. يتغذى النوع P. punctata على العوالق الحيوانية، وبيض الأسماك ويرقاتها، ويمكن لتجمعاته الساحلية الغزيرة أن تؤثر سلبياً في غزارة الأسماك وتكاثرها. يتميز هذا النوع، كما في الأنواع الأخرى من اللاسعات، بوجود خلايا لاسعة يستعملها للدفاع، وأيضاً في شل حركة الفرائس الصغيرة، إلا أن تأثيرها في الإنسان غير شديد، ويتمثل بحروق موضعية طفيفة ولا تترك أي أثر يذكر، وأعراض تحسس بسيطة، كالحكة والوخز، وألم يزول بعد فترة وجيزة.

يعد قنديل البحر Phyllorhiza punctata نوعاً أستوائياً، موطنه الأصلي الساحل الأسترالي، والمحيطين الهندي والهادي، وانتشر فيما بعد في المحيط الأطلسي، وأصبح من الأنواع الغازية في البحر الكاريبي وخليج المكسيك والبحر المتوسط.
ظهر هذا النوع لأول مرة في البحر المتوسط في العام 1925، وأول تسجيل له كان في الساحل الفلسطيني في العام 1965، وجرى تسجيله للمرة الأولى في ساحل اليونان في العام 2006، وفي سردينيا وإيطاليا غربي المتوسط في العام 2009، كما جرى تسجيله في سواحل تركيا في عام 2011، تزامناً مع تسجيله للمرة الأولى في المياه الساحلية السورية (اللاذقية وبانياس).
وضعت فرضيات عدة حول انتقال هذا النوع وانتشاره في البحر المتوسط، أهمها عبر انتقال يرقاته أو البوليبات مع مياه صابورة وهياكل السفن القادمة من موطنه الأصلي إلى البحر المتوسط.
النوع Phyllorhiza punctata في الساحل السوري:
جرى تسجيل النوع P. punctata في الساحل السوري للمرة الأولى في شهر أب 2011، من موقعين متباعدين، في كلٍ من ساحل اللاذقية وبانياس. كما لوحظ وجوده بأعداد قليلة جداً في منطقة رأس ابن هاني في شهر أيلول 2017، وفي شهر كانون الأول 2018.

الدكتور سامر ماميش– دكتوراه في البيولوجيا البحرية

تصفح المزيد..
آخر الأخبار