الوحدة:14-9-2021
تلعب الأم دوراً كبيراً ومحورياً في عملية التربية الأسرية، والتنشئة الاجتماعية عموماً، كما أن لها دوراً في صُلب وجوهر المجتمع مشهود له قولاً وفعلاً في الإطار التاريخي وعلى مر الأيام، ولكن هذا الدور تأثر كثيراً في سياقه الحياتي بواقع وضع المرأة في المراحل المختلفة والحقب المتفاوتة، وعلى الرغم من بعض حالات التحسن النوعي والنسبي والمرحلي، إضافة إلى بعض الاستثناءات الفردية المميزة بقوة واقعها الذاتي، ولكي لا يتم الهروب من الواقع الراهن الصعب إلى صفحات التاريخ وحروف الماضي تجدر الإشارة بوضوح إلى أبرز ملامح واقع المرأة الحالي الراهن لما لذلك من تأثير مباشر على دورها بشكل عام وكينونتها بشكل خاص ويتألف هذا الواقع بكل موضوعية وشفافية من محددات ومعوقات تتلخص بنودها فيما يلي:
– القهر القاسي الذي يتعرض له المجتمع بشكل عام ومثاله صور القهر الاجتماعي الطبقي إضافة إلى القهر الناجم عن كون أغلب المجتمعات ذكورية يتسلط فيها الرجال على النساء.
– الإحساس النفسي والذاتي داخل عقل ووجدان أغلب النساء بالاستضعاف وعدم الأمان مهما كانت قدراتها وملكاتها الموضوعية.
– سياسة التهميش المُتبعة لدى البعض لدور المرأة في عدد كبير من أروقة المؤسسات الاجتماعية والإعلامية والاقتصادية والنقابية والخدمية وحتى السياسية إضافة إلى عدم تمتعها بفرص المساواة في الكثير من الحقوق والفرص أيضاً، الأمر الذي يجعلها غير فاعلة أو مؤثرة و كذلك عاجزة أيضاً عن تحسين أوضاعها الخاصة.
– المساهمة المؤثرة في دفع المرأة نحو الأنماط السلوكية والاستهلاكية التي يندرج ضمنها الابتعاد عن المشاركة في الإنتاج وإلغاء فاعلية دورها المجتمعي المنتج إضافة إلى تشجيعها للسير والانخراط بقوة نحو سبل تبديد الأموال على المظاهر الاستهلاكية إضافة إلى التكاسل والإهمال لشؤون العائلة وتربية الأبناء.
– محاولة تأسيس وزرع وعي مُشوش وقناعات زائفة لدى المرأة بواسطة بعض الوسائل الإعلامية والوسائط الاجتماعية على أنها مخلوق ضعيف بوصفها أنثى تحتاج إلى الوصاية والتوجيه والإشراف عليه من قبل الآخرين.
كانت المرأة دائماً فاعلة في نطاق التنشئة التربوية والاجتماعية وحتى السياسية وخصوصاً عندما ساعدها الوضع القائم أو الحال الموضوعي بحيث لم يكن يحد من حرية حركتها أو نشاطها أحد، وتشير الدراسات المتخصصة والوقائع الفعلية إلى الأهمية القصوى لمكانتها عندما نجحت بوعيها الفطري النابع من كونها مجسدة وناقلة أمينة لأميز التقاليد الاجتماعية والتراث التاريخي العريق في ذكاء التعامل ودفء التعاطف وفي لين التعامل مع الواقع الحياتي بكل صوره وأشكاله وشجونه وأطيافه بغية تطويره وإيجاد الحلول الذاتية المناسبة لتفعيله، هذا بالإضافة إلى تأكيدها على عناوين التربية السليمة بشعار التجديد والإبداع عوضاً عن التقليد والابتداع، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يُسعف المرأة كثيراً تمتعها بنوع من درجة الحرية في النطاق الأسري والمضمار العائلي ذلك أن النسق القيمي السائد وبعض التأثيرات السلبية الطافية على السطح في عموم أطياف المجتمعات لا بد من أن تترك دوماً أثر بصماتها على المحصلة النهائية لحرية حركة المرأة وخصوصاً في مجال تأصيل تنشئة الأبناء تنشئة وطنية خالصة.
ليس المرء في حاجة إلى ذكاء كبير ليستنتج أن مسألة تغيير وتطوير دور المرأة في التربية والتنشئة مرهونة بدورها العام الشامل من ناحية وهذا الأمر مرتبط بدوره بإحداث التغييرات الجذرية المطلوبة في المجتمع ككل من ناحية أخرى حيث أن تحرر عملية ممارسة المرأة لأدوارها المختلفة المجتمع المنشود وإعلاء في الأسرة والمجتمع ليست مسألة منفصلة عن ضرورة بناء صروحه الجديدة وترسيخ استقلاليته الاقتصادية العادلة والمكتفية، ومن الضروري الإشارة إلى أنه لا دور للمرأة في ظل استمرار القهر المجتمعي والتمسك بهيمنة ذكورية الرجل المطلقة على قواها الأساسية وملكاتها الفكرية والإبداعية وبذلك تعود المسألة برمتها إلى النقطة المحورية والجوهرية المحتاجة إلى نضال مستمر ونفس طويل وتوجه جدير يتمثل في المطالبة بأخذ المرأة لزمام أمورها بيديها والسعي الجاد والحثيث لترسيخ الوعي المجتمعي بإنسانيتها ومواطنتها وعدم اقتصار وظيفتها على الإنتاج البيولوجي للأطفال وعلى متابعة نموهم الاجتماعي فقط ، إضافة إلى تحرير نفسها من أسرها الذاتي ومن الوعي الزائف المُتراكم على كيانها والذي ولد لديها عُقدة النقص وشبح المشاعر الدونية مع ضرورة عدم إغفال توجب دخولها معترك العمل الإنتاجي ليس على الأساس الكمي وإنما على أساس الاعتراف الحقيقي بوصفها إنسانة راشدة ومواطنة فاعلة، ولعل كل ذلك يجب أن تباشره المرأة على سوية الصعيد الفردي المبادر أولاً ومن ثم على صعيد العمل النسوي المنظم باتجاه إحداث صورة التغيير الجذري الشامل والمنشود.
د. بشار علي عيسى