الوحدة : 18-8-2021
(من يعطيني سماء بحجم ورقة الكتابة)
ربما لم يعد بوسعه أن يتذكر أكثر..
وأن يطلق العنان لمخيلته الزرقاء وهو يردد هذا القول الأثير لنزار قباني…
ربما.. لن يطارد بعد اليوم آخر إصدارات الكتب والتكنولوجيا كما كان يفعل في حياته الجامعية، ويزور المعارض ويشتري بأثمن مقتنياته الكتب الأثيرة والأشياء المميزة معنوياً دون التدقيق في قيمتها المادية..
الآن.. كل شيء مختلف، فبدلاً من مطاردة معارض الكتب والأمسيات الأدبية والشعرية، أصبح يطارد رغيفه في كل مكان.. يركض وراءه في سماء المدن الملبدة بالغيوم والغربة والأحزان…
منذ مدة وهو يطارد ظله الهارب نحو الشمس.. وجهه الهارب من لوائح الأسعار الخيالية ومن هموم حياتية باتت اعتيادية كتحية الصباح..
منذ مدة وهو يحاول الهرب من مقصلة الأحاديث اليومية كي لا يسقط في دوامة الفراغ الروحي.. (سكر، شاي، رز، غاز، وقود)…
تلك المفردات ورغماً عنه باتت تحتل حيزاً واسعاً من حياته.. هي جزء من الوجع المعيشي الذي لا يستطيع الانفصال عنه حتى لو رقص كل ليلة مع زوربا وشبه وجه حبيبته بيوم صيفي جميل كما فعل شكسبير ووافق سيمون دي بوفوار في تصرفها الغريب حين جعلت إحدى بطلات رواياتها تصنع من الستارة ثوباً لحضور حفل بسبب إفلاسها، حتى لو عمل بنصيحة ماركيز وأطلق العنان لقلبه في زمن الوباء الأحمق!
هو رغم كل هذه الفوضى يبحث عن سماء تليق بأحلامه، عن شجرة توت لعب في ظلها مع أطفال الحي ولم تخنه في الذاكرة..
يبحث عن ورقة لم تسقط وبقيت مكابرة رغم أن الخريف زارها في وقت مبكر جداً من العمر.
منى كامل الأطرش