العـــــدد 9312
الخميـــــــس 14 آذار 2019
ربما المرة الأولى التي نسمع بها ونشاهد هذا الكم من الانهيارات الطرقية والانهدامات والانجرافات على محاور طرقنا العامة.
في سنوات ماطرة فاض خيرها كهذه السنة غالباً ما كنّا نتابع فيضانات وسقوطاً ثلجياً يقطع الطرقات تطوقه الجهات المعنية بسرعة تحركها مخففة وقعه على الناس.
ما حصل هذا الموسم كان مختلفاً بالمطلق بحكم منعكساته السلبية على البنية الطرقية ومن الظلم أن نحمَّل الطبيعة وحدها مسؤولية ما حصل، مع إقرارنا أن الطبيعة غالباً ما تغدر، وغالباً ما يكون غدرها فوق القدرة على الاحتمال أو المواجهة، وهذا يحصل على مدار جغرافية العالم، حيث أكثر الدول قوة ومنعة وتطوراً لا يمكنها السيطرة على تقلبات الطبيعة، وكل ما تستطيع فعله التخفيف من حدة الغضب عبر مجموعة من التدابير الاحترازية قد لا تصمد أمام غضب الطبيعة الجارف.
ما أحزنا أن خير السماء الذي انتظرناه تحوّل إلى نقمة كان وقعها ثقيلاً على بنيتنا الطرقية بالدرجة الأولى، والأمر ليس محصوراً بانهدامات حصلت كان أشدها وقعاً عقدة الحفة بل بسوء الحالة التي بدت فيها طرقاتنا بعد انحسار الأمطار، والهشاشة الفاضحة في بنيتها وصورتها.
تدخل الجهات المعنية وحضورها بكامل إمكاناتها المتاحة لرفع الأذى عن آلاف المصالح التي عصفت بها السيول الجارفة خفّف كثيراً من حدّة الضرر، وبخاصة على المساكن وأصحاب الزراعات الحقلية، ولهؤلاء جميعاً نرفع بطاقة التقدير مع قناعتنا أن ما حصل ليس بفعل الطبيعة وحدها، ومن الطبيعي الآن تشخيص المشكلة وتحديد أسبابها بعيداً عن قوة الغدر التي تحملها الطبيعة عند هيجانها، والتشخيص المنطقي يقودنا بالضرورة إلى الاعتراف بخطورة ما يحصل من تعديات سافرة على مجاري الأنهار والسواقي والمسيلات المائية التي رسمت مجراها الطبيعة عبر فعل تراكمي لا يعرف مبتداه أحد.
الهطولات المطرية لم تكشف عيوباً مستورة فحسب بل كشفت مقدار التعدي على حرمة المسيلات المائية التي لم يترك لها المعتدون حرمة ومن السهل أن نلاحظ كم من السواقي غابت معالمها وضاعت تضاريسها وتحوّل بعضها إلى ملكيات خاصة، وبالتالي من البديهي أن تكون الأراضي الزراعية والطرقات العامة معبرين إجباريين لمياه الأمطار إلى مستقرها.
ما حصل هذا الموسم يدفعنا ودون تأخير إلى وقف ومعالجة الاعتداءات السافرة على مجاري السيول التي حددتها الطبيعة، وإلا ستكون النتائج دائماً أضراراً يتبدد معها خير السماء متحولاً إلى نقمة لا نستطيع التنبؤ بثقل وقعها علينا ومن الحيف أن نحمَّل كل هذا على مشجب الطبيعة.
إبراهيم شعبان