بين الشط والجبل…. رجـل الحطـب

العــــــــــــــدد 9311

الأربعاء 13 آذار 2019

 

 

حين دخل الرجل العجوز إلى المكان انتشرت رائحة حطب ودخان، كطائر ضخم حط فوق رمل امتلأ به وغصَ..
نظرت في عينيه وقد نشر أوراقه أمامي على الطاولة، فضاعت الأزمنة، وتلاشت الحدود.
لا الوقت يعيد ما فات، والزمن يدور كما تدور الأصابع المتعبة المتسخة في كيس لا عمر له، تبحث عن مجهول.
الأوراق بتواريخ، وقصص، ووقائع، وحكايات، بعضها كتب رسمية موجهة إلى جهات عدة، وكتب تم تحويلها للنظر أو التسويف والمماطلة.
هو أب لشهيدين، أطلق لحيته الشائبة منذ أن خط الزمن موعداً للحداد، دمعتان فقط تقفان في المحجرين، تأبيان السقوط، واحدة على علي خريج الحقوق الشهيد في حلب، وأخرى على محمد خريج العلوم السياسية الشهيد في دير الزور..
فوق الرأس المتعب قبعة بلا لون، وعلى الجسد الطويل ملابس باهتة بلا ألوان، إلا العينين، عيناه خضراوان تنطقان إذا سكت اللسان، تتحدثان عن شاب جميل، كان .. وما يزال ينتصب، لكن على عكاز، والعكاز (عذاب) ابن العشر سنوات، الجاد الصارم الذي لا يبتسم مهما حاولت معه، يجيب باقتضاب، وحزم على
أسئلتي الملحة .
يقول أبوه إنه صمم على الإنجاب بعد حزنه الشديد على ولديه وأطلق اسم طفله العصا (عذاب) الأخ لأربعة أطفال أيضاً هو أكبرهم . .
مهمة عذاب تذكير والده بجدول الأعمال المزدحم، حيث لا وقت للفسحة، النهار مليء بمواعيد نظمها العجوز يريد أن يحل مشكلته قبل أن يعود إلى قريته البعيدة.
هناك.. لا يوجد إلا الحطب.. رائحة الحطب والفقر تنبعث من عذاب وأبيه .. فلا كهرباء إلا باستحياء، والغاز مفقود ونار الحطب داء ودواء.
تحدث أبو العذاب كثيراً وقال الكثير وهو يشعل سيجارة لفّها بإتقان، وضاعت بين إصبعيه الهرمتين، ووقعت فوق أوراقه المرمية أمامه مرات، ولم يهتم، يعيد التقاطها ويتابع الحديث عن قضية مؤجلة..
زارنا ليحكي عن وجعه وقهره، وفي الختام طلب منا الصمت ريثما تصلنا أوامره،
لا عجب، فقد كان مساعداً في الشرطة، وله تاريخ حافل بالبطولات، حدثنا عن بعضها بفخر واعتزاز، وغادرنا وهو يمسك بعصاه الطفل الحزين (المفكرة) والمرشد والدليل، يقول لأبيه أن يمضي .. ويمضيان!

سعاد سليمان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار